الْغُسْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: غَسَلَ الْإِنَاءَ وَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ، وَيُسَمَّى السَّيْلُ الْكَبِيرُ غَاسُولًا، وَالتَّيَمُّمُ أُمِرْنَا فِيهِ بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالتُّرَابِ، وَيَتَعَذَّرُ فِي الْغَالِبِ إمْرَارُ التُّرَابِ إلَّا بِالْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَلَا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَهُمَا وَاجِبَانِ عِنْدَكُمْ. قُلْنَا: أَمَّا النِّيَّةُ فَإِنَّهَا سَأَلَتْهُ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا يَكُونُ الْغُسْلُ لِلْجَنَابَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَقَدْ دَخَلَا فِي عُمُومِهِ؛ لِقَوْلِهِ: " ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ ". وَالْفَمُ وَالْأَنْفُ مِنْ جُمْلَتِهَا.
[فَصْلٌ حُكْمُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ]
فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَلَا الْمُوَالَاةُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إذَا قُلْنَا: الْغُسْلُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، فَسَقَطَ حُكْمُ الصُّغْرَى، كَالْعُمْرَةِ مَعَ الْحَجِّ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ، قَالَ حَنْبَلٌ: سَأَلْته عَنْ جُنُبٍ اغْتَسَلَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ ضَيِّقٌ؟ قَالَ: يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ. قُلْت: فَإِنْ جَفَّ غُسْلُهُ؟ قَالَ: يَغْسِلُهُ، لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ، الْوُضُوءُ مَحْدُودٌ، وَهَذَا عَلَى الْجُمْلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] قُلْت: فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ؟ قَالَ: يَغْسِلُ مَوْضِعَهُ، ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ.
وَأَكْثُرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ تَفْرِيقَ الْغُسْلِ مُبْطِلًا لَهُ، إلَّا أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ: مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَأَرَى عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْغُسْلَ. وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَلَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ، كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِيهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ بَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْآمِدِيُّ، فِيمَنْ غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِانْفِرَادِهَا بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الرِّجْلَيْنِ؛ لِاجْتِمَاعِ الْحَدَثَيْنِ فِيهِمَا.
[فَصْلٌ وَاجِبَاتُ الْغُسْلِ شَيْئَانِ]
(٣١٠) فَصْلٌ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ وَاجِبَاتُ الْغُسْلِ شَيْئَيْنِ لَا غَيْرُ؛ النِّيَّةُ، وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا مَضَى، بَلْ حُكْمُهَا فِي الْجَنَابَةِ أَخَفُّ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تَنَاوَلَ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ.
[فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ]
(٣١١) فَصْلٌ: إذَا اجْتَمَعَ شَيْئَانِ يُوجِبَانِ الْغُسْلَ، كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ، أَوْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالْإِنْزَالِ، وَنَوَاهُمَا بِطَهَارَتِهِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا. قَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، فِي الْحَائِضِ الْجُنُبِ، يَغْتَسِلُ غُسْلَيْنِ.
وَلَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجِمَاعِ إلَّا غُسْلًا وَاحِدًا» ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ، إذْ هُوَ لَازِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute