أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، فَتَعَلَّقَ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلِأَنَّهُ تَلَذُّذٌ بِمُبَاشَرَةٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ وَطِئَ.
وَالثَّانِيَةُ، لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا التَّحْرِيمُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِشَهْوَةٍ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصٍّ، أَوْ قِيَاسٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَا نَصَّ فِي هَذَا، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلَا الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْوَطْءَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ اسْتِقْرَارُ الْمَهْرِ، وَالْإِحْصَانُ، وَالِاغْتِسَالُ، وَالْعِدَّةُ، وَإِفْسَادُ الْإِحْرَامِ، وَالصِّيَامُ، بِخِلَافِ اللَّمْسِ. وَذَكَر أَصْحَابُنَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ.
[فَصْلٌ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةِ]
(٥٣٦١) فَصْلٌ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ، فَهُوَ كَلَمْسِهَا لَشَهْوَةٍ، فِيهِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْشُرُهَا اللَّمْسُ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ بَدْرِيًّا وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي مَنْ يَشْتَرِي الْخَادِمَ، ثُمَّ يُجَرِّدُهَا أَوْ يُقَبِّلُهَا، لَا يَحِلُّ لِابْنِهِ وَطْؤُهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَكْحُولٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا. وَفِي لَفْظٍ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» . وَالثَّانِيَةُ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] . وَلِأَنَّهُ نَظَرٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، فَلَمْ يُوجِبْ التَّحْرِيمَ، كَالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ، وَالْخَبَرُ ضَعِيفٌ. قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقِيلَ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَنَّى بِذَلِكَ عَنْ الْوَطْءِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى سَائِرِ الْبَدَنِ فَلَا يَنْشُرُ حُرْمَةً. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْن النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ لَشَهْوَةٍ. وَالصَّحِيحُ، خِلَافُ هَذَا؛ فَإِنَّ غَيْرَ الْفَرْجِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ، وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ، فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ النَّظَرَ إذَا وَقَعَ مِنْ غَيْر شَهْوَةٍ لَا يَنْشُرُ حُرْمَةً؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَالنَّظَرُ أَوْلَى. وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ فِي مِنْ بَلَغَتْ سِنًّا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا، كَابْنَةِ تِسْعٍ فَمَا زَادَ، فَأَمَّا الطِّفْلَةُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي بِنْتِ سَبْعٍ: إذَا قَبَّلَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى السِّنِّ الَّذِي تُوجَدُ مَعَهُ الشَّهْوَةُ. (٥٣٦٢) فَصْلٌ: فَإِنْ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَى فَرْجِ رَجُلٍ لَشَهْوَةٍ، فَحُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ حُكْمُ نَظَرِهِ إلَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute