فَقُلْت لَهُ: مَا لِي؟ فَقَالَ: " إنَّك تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ ". وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا مَنَعَتْ الْوَطْءَ مَنَعَتْ الْقُبْلَةَ، كَالْإِحْرَامِ. وَلَا تَحْرُمُ الْقُبْلَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ إفْضَاءَهُ إلَى إفْسَادِ الصَّوْمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِالشَّكِّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ، وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ فِي مَعْنَاهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَأَتَاهُ آخَرُ، فَسَأَلَهُ، فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَأَشْبَهَتْ لَمْسَ الْيَدِ لِحَاجَةٍ. وَالثَّانِيَةُ، يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ حُدُوثَ الشَّهْوَةِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَاسْتَوَى فِي الْقُبْلَةِ فِيهَا مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، وَغَيْرُهُ، كَالْإِحْرَامِ. فَأَمَّا اللَّمْسُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَلَمْسِ يَدِهَا لِيَعْرِفَ مَرَضَهَا، فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا يُكْرَهُ فِي الصِّيَامِ، كَلَمْسِ ثَوْبِهَا.
[فَصْلُ اسْتَمْنَى الصَّائِم بِيَدِهِ]
(٢٠٣٣) فَصْلٌ: وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُبْلَةِ فِي إثَارَةِ الشَّهْوَةِ. فَأَمَّا إنَّ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوْ الْمَذْيُ لِمَرَضٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ، وَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، وَلَا تَسَبُّبٍ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ. وَلَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ. وَلَوْ جَامَعَ فِي اللَّيْلِ، فَأَنْزَلَ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ، لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْهِ فِي النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ شَيْئًا فِي اللَّيْلِ، فَذَرَعَهُ الْقَيْءُ فِي النَّهَارِ.
[فَصْلُ كَرَّرَ الصَّائِم النَّظَرَ فَأَنْزَلَ]
(٢٠٣٤) الْفَصْلُ الْخَامِسُ: إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ، وَلِتَكْرَارِ النَّظَرِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ إنْزَالٌ، فَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute