قُلْنَا: إمْسَاكُهُ الْمَعِيبَ رَاضِيًا بِهِ رِضًى مِنْهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَجَرَى مَجْرَى إبْرَائِهِ مِنْ بَقِيَّةِ كِتَابَتِهِ. وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ وَأَخْذَ أَرْشِ الْعَيْبِ أَوْ رَدَّهُ فَلَهُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَلَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافٌ وَاسْتِهْلَاكٌ، فَإِذَا حُكِمَ بِوُقُوعِهِ لَمْ يَبْطُلْ كَعَقْدِ الْخُلْعِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ فَأَشْبَهَ الْخُلْعَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَيُحْكَمُ بِارْتِفَاعِ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ بِاسْتِقْرَارِ الْأَدَاءِ وَقَدْ ارْتَفَعَ الْأَدَاءُ فَارْتَفَعَ الْعِتْقُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالتَّرَاضِي فَوَجَبَ أَنْ يُفْسَخَ بِوُجُودِ الْعَيْبِ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ وَأَخْذَ الْأَرْشِ فَلَهُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ، وَلِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَظَنُّ وُقُوعِ الْعِتْقِ لَا يُوقِعُهُ إذَا بَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ كَمَا لَوْ بَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا.
وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَ السَّيِّدِ أَوْ حَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ اسْتَقَرَّ أَرْشُ الْعَيْبِ، وَالْحُكْمُ فِي ارْتِفَاعِ الْعِتْقِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.
وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: إنْ أَعْطَيْتَنِي عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَعْطَاهُ عَبْدًا فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحِقًّا لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: إنْ أَعْطَيْتَهُ مِلْكًا وَلَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ مِلْكًا وَلَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهُ. (٨٧٧٣) فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَ الْكِتَابَةِ ظَاهِرًا فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ: أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا حَصَلَ لَهُ بِالْأَدَاءِ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ قَصَدَ بِذَلِكَ عِتْقَهُ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَهُوَ أَخْيَرُ بِمَا نَوَى.
[مَسْأَلَةٌ مَا يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ.]
(٨٧٧٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا قَبَضَ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ اسْتَقْبَلَ بِزَكَاتِهِ حَوْلًا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ - كَمَالٍ اسْتَفَادَهُ بِكَسْبٍ أَوْ غَيْرِهِ - فَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ، وَلِهَذَا جَرَى الرِّبَا بَيْنَهُمَا وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ تَامٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَوْلًا كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُكَاتَبُ إذَا جَنَى جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ.]
(٨٧٧٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ بُدِئَ بِجِنَايَتِهِ قَبْلَ كِتَابَتِهِ، فَإِنْ عَجَزَ كَانَ سَيِّدُهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ جِنَايَتِهِ أَوْ يُسَلِّمَهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute