يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ أَهْلِ الصَّفِّ، فَنَزَلْت، فَأَرْسَلْت الْأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْت فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ. أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ شَيْءٌ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ، لَا يَضُرُّهَا مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهمْ فِي بَعْضِ الصَّفِّ، وَلَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، وَإِنْ مَرَّ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ قَطَعَ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «هَبَطْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ - يَعْنِي فَصَلَّى إلَى جُدُرٍ - فَاِتَّخَذَهَا قِبْلَةً، وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَدْرَؤُهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجُدُرِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ فَرْقٌ.
[فَصْلٌ قَدْرُ السُّتْرَةِ لِلْمُصَلَّيْ]
(١٢٠٧) فَصْلٌ: وَقَدْرُ السُّتْرَةِ فِي طُولِهَا ذِرَاعٌ أَوْ نَحْوُهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آخِرَةِ الرَّحْلِ كَمْ مِقْدَارُهَا؟ قَالَ: ذِرَاعٌ. كَذَا قَالَ عَطَاءٌ: ذِرَاعٌ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ لَا التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَهَا بِآخِرَةِ الرَّحْلِ، وَآخِرَةُ الرَّحْلِ تَخْتَلِفُ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، فَتَارَةً تَكُونُ ذِرَاعًا، وَتَارَةً تَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ، فَمَا قَارَبَ الذِّرَاعَ أَجْزَأَ الِاسْتِتَارُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا قَدْرُهَا فِي الْغِلَظِ وَالدِّقَّةِ فَلَا حَدَّ لَهُ نَعْلَمُهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَقِيقَةً كَالسَّهْمِ وَالْحَرْبَةِ، وَغَلِيظَةً كَالْحَائِطِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَتِرُ بِالْعَنَزَةِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كُنَّا نَسْتَتِرُ بِالسَّهْمِ وَالْحَجَرِ فِي الصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَبْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَتِرُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِسَهْمٍ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُجْزِئْهُ السَّهْمُ وَالسَّوْطُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا كَانَ أَعْرَضَ فَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَوْ بِسَهْمٍ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْنُوَ مِنْ سُتْرَتِهِ]
(١٢٠٨) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْنُوَ مِنْ سُتْرَتِهِ؛ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute