[فَصْلُ الْمُفْسِدَ لِلصَّوْمِ]
(٢٠٣٦) الْفَصْلُ السَّادِسُ: أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّوْمِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا كَانَ عَنْ عَمْدٍ وَقَصْدٍ، فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَالْغُبَارِ الَّذِي يَدْخُلُ حَلْقَهُ مِنْ الطَّرِيق، وَنَخْلِ الدَّقِيقِ، وَالذُّبَابَةِ الَّتِي تَدْخُلُ حَلْقَهُ، أَوْ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَدْخُلُ مَسَامِعَهُ، أَوْ أَنْفَهُ أَوْ حَلْقَهُ، أَوْ يُلْقَى فِي مَاءٍ فَيَصِلُ إلَى جَوْفِهِ، أَوْ يَسْبِقُ إلَى حَلْقِهِ مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ، أَوْ يُصَبُّ فِي حَلْقِهِ أَوْ أَنْفِهِ شَيْءٌ كَرْهًا، أَوْ تُدَاوَى مَأْمُومَتُهُ أَوْ جَائِفَتُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، أَوْ يُحَجَّمُ كَرْهًا، أَوْ تُقَبِّلُهُ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَيُنْزِلُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فَلَا يُفْطِرُ، كَالِاحْتِلَامِ.
وَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ، فَفَعَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُفْطِرُ بِهِ أَيْضًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.» قَالَ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمُفْطِرَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ يُفْطِرُ لِدَفْعِ الْمَرَضِ، وَمِنْ يَشْرَبُ لِدَفْعِ الْعَطَشِ، وَيُفَارِقُ الْمَلْجَأَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ حِيزَ الْفِعْلِ، وَلِذَلِكَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِيمَا لَوْ أُكْرِهْ عَلَى قَتْلِ آدَمِيٍّ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِ.
[فَصْلُ مَتَى أَفْطَرَ بِشَيْءِ مِنْ مُفْطِرَاتِ الصِّيَامِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ]
(٢٠٣٧) الْفَصْلُ السَّابِعُ: أَنَّهُ مَتَى أَفْطَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ، فَلَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَائِهِ، وَلَمْ يُؤَدِّهِ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ وَلَا كَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحَمَّادٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ أَنْزَلَ بِلَمْسٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْجِمَاعِ. وَعَنْهُ فِي الْمُحْتَجِمِ، إنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي الْمُحْتَجِمِ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ مَا كَانَ هَتْكًا لِلصَّوْمِ، إلَّا الرِّدَّةَ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ فِي رَمَضَانَ أَشْبَهَ الْجِمَاعَ.
وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، أَنَّ الْفِطْرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ يُوجِبُ مَا يُوجِبُهُ الْجِمَاعُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ، فَلَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ فُسْتُقَةً بِقِشْرِهَا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِأَعْلَى مَا فِي الْبَابِ مِنْ جِنْسِهِ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامِعِ. وَلَنَا أَنَّهُ أَفْطَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، فَلَمْ تُوجِبْ الْكَفَّارَةَ، كَبَلْعِ الْحَصَاةِ أَوْ التُّرَابِ، أَوْ كَالرِّدَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِهَذَا وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْجِمَاعِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ أَمَسُّ، وَالْحُكْمَ فِي التَّعَدِّي بِهِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا، وَيَخْتَصُّ بِإِفْسَادِ الْحَجِّ دُونَ سَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ، وَوُجُوبِ الْبَدَنَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُفْسِدُ صَوْمَ اثْنَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
[فَصْلُ الْوَاجِبُ فِي قَضَاء رَمَضَانَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ]
(٢٠٣٨) فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ فِي الْقَضَاءِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَوْمٌ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ، وَوَكِيعٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute