للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الْحُكْمِ قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ]

(٨٤٧٩) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الْحُكْمِ: قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. فَسَدَتْ شَهَادَتُهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ: إذَا شَهِدَ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ بِأَنَّ الْأَلْفَ جَمِيعَهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ، لَمْ تَكُنْ الْأَلْفُ كُلُّهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا، فَتَفْسُدُ شَهَادَتُهُ. وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ. لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَإِقْرَارٌ بِغَلَطِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَا يَقُولُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الرُّجُوعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ شَهَادَتَهُ تَقْبَلُ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ: قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. أَفْسَدَ شَهَادَتَهُ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ مَا اُجْتُمِعَا عَلَيْهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ. فَصَحَّحَ شَهَادَتَهُ فِي نِصْفِ الْأَلْفِ الْبَاقِي، وَأَبْطَلَهَا فِي النِّصْفِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ قَضَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ بِأَلْفٍ، بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ.

قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى الشَّهَادَةَ. فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَشَهِدَ بِالْقَضَاءِ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ وَجَبَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ: قَضَاهُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ. قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي بَاقِي الْأَلْفِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِ، وَلَا اخْتِلَافَ.

[مَسْأَلَة شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءِ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِبَعْضِهِ]

(٨٤٨٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ، وَآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ حُكِمَ لِمُدَّعِي الْأَلْفِ، بِخَمْسِمِائَةٍ، وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى، إنْ أَحَبَّ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ بِبَعْضِهِ، صَحَّتْ الشَّهَادَةُ، وَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَحُكِمَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ؛ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَالَ: قَدْ اخْتَلَفْتُمَا، قُومَا، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأَلْفِ غَيْرُ الْإِقْرَارِ بِالْأَلْفَيْنِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ إقْرَارٍ إلَّا وَاحِدٌ.

وَلَنَا، أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ كَمَلَتْ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَحُكِمَ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ إقْرَارٍ إنَّمَا يَشْهَدُ بِهِ وَاحِدٌ، يُبْطَلُ بِمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ غَدْوَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عَشِيًّا، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَكْمُلُ، مَعَ أَنَّ كُلَّ إقْرَارٍ إنَّمَا يَشْهَدُ بِهِ وَاحِدٌ. فَأَمَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّ لِلْمُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>