الظَّاهِرَ أَنَّ لِلْحَمْلِ حُكْمًا، فَيَكُونُ حَادِثًا عَنْ مِلْكِ الْوَارِثِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُون حُرًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، لِكَوْنِهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَرِيبٌ مِمَّا قُلْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ وَتَلْزَمُ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ، كَالِاسْتِيلَادِ. وَلَنَا، أَنَّهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ، فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا، كَالْكَسْبِ، وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ. وَتُفَارِقُ الِاسْتِيلَادَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَغْلِيبًا وَسِرَايَةً. وَهَذَا التَّفْرِيعُ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، مَلَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ بَعْضِهَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ، كَمِلْكِ جَمِيعهَا. وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْوَلَدُ فِيهِ لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مِنْهُ هَا هُنَا بِقَدْرِ مَا مَلَكَ مِنْ أُمِّهِ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا مَلَكَ وَحْدَهُ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ هَا هُنَا. سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، كَمَا إذَا اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ. قَالَ الْقَاضِي: تَصِيرُ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ بِقَدْرِ مَا مَلَكَ مِنْهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[مَسْأَلَة مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي]
(٤٦١٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَكُونُ لِوَلَدِ الْمُوصَى لَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إذَا عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ، وَلَمْ يَحْدُثْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ شَيْئًا، فَهُوَ لِوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ، فَيَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ. وَلَنَا، أَنَّهَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتْ الْمُعْطِي مَيِّتًا، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مَيِّتًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا. وَإِنْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهَا، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ صَادَفَتْ حَيًّا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْل الْوَصِيَّةُ لِمَيِّتِ]
(٤٦١٧) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهِيَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ نَفْعُهُ بِهَا، وَبِهَذَا يَحْصُلُ لَهُ النَّفْعُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute