الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لَهُمْ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ الْمَنُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِ، مَعَ كُفْرِهِ، فَمَعَ إسْلَامِهِ أَوْلَى، لِكَوْنِ الْإِسْلَامِ حَسَنَةً يَقْتَضِي إكْرَامَهُ، وَالْإِنْعَامَ عَلَيْهِ، لَا مَنْعَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ. وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ عَشِيرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الرِّقِّ. فَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ، حَرُمَ قَتْلُهُ وَاسْتِرْقَاقُهُ وَالْمُفَادَاةُ بِهِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي حِصْنٍ، أَوْ جَوْفٍ، أَوْ مَضِيقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ بَعْدُ.
[فَصْلٌ سُؤَالُ الْأُسَارَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ الْجِزْيَةِ]
(٧٤٥٣) فَصْلٌ: فَإِنْ سَأَلَ الْأُسَارَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ تَخْلِيَتَهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا غَنِيمَةً بِالسَّبْيِ، وَأَمَّا الرِّجَالُ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِمْ، وَلَا يَزُولُ التَّخْيِيرُ الثَّابِتُ فِيهِمْ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ، كَمَا لَوْ أَسْلَمُوا. وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلٌ لَا تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَحْرُمْ قَتْلُهُمْ، كَبَدَلِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.
[فَصْلٌ أُسِرَ الْعَبْدُ فِي الْحَرْبِ]
(٧٤٥٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أُسِرَ الْعَبْدُ صَارَ رَقِيقًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ اُسْتُوْلِيَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لِلْغَانِمِينَ، كَالْبَهِيمَةِ،
وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ لِضَرَرٍ فِي بَقَائِهِ، جَازَ قَتْلُهُ
؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ، وَأَمَّا مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ غَيْرَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، كَالشَّيْخِ وَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى وَالرَّاهِبِ، فَلَا يَحِلُّ سَبْيُهُمْ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ حَرَامٌ، وَلَا نَفْعَ فِي اقْتِنَائِهِمْ. (٧٤٥٥) فَصْلٌ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا كَانَ مَوْلَى مُسْلِمٍ، لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِرْقَاقِهِ تَفْوِيتَ وَلَاءِ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومِ. وَعَلَى قَوْلِهِ، لَا يَسْتَرِقُّ وَلَدُهُ أَيْضًا إذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ؛ لِذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ مُعْتِقُهُ ذِمِّيًّا، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ، فَاسْتِرْقَاقُ مَوْلَاهُ أَوْلَى. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ، كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَ جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ، وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ، مَعَ كَوْنِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِرْقَاقِهِ، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْبِيُّ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، لَمْ يَجُزْ فِيهِ سِوَى الِاسْتِرْقَاقِ، فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِيهِ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالْقَتْلِ؛ فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ الْوَلَاءَ، وَهُوَ جَائِزٌ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ سَيِّدَهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ.
غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ، وَلَا تَفْوِيتُ حُقُوقِهِ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute