وَلَنَا، أَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا بِدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَحَنِثَ بِهِ، كَمَا لَوْ سَجَدَ سَجْدَةً، وَلِأَنَّهُ شَرَعَ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الصِّيَامَ يَشْرَعُ فِيهِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، وَلَا يَحْنَثُ فِي الصِّيَامِ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا كَامِلًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِمُفْرَدِهِ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَلَاةٌ وَصِيَامٌ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ إتْمَامُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ أَفْسَدَ ذَلِكَ: بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ]
(٨٠٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ، نَزَعَهُ مِنْ وَقْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، حَنِثَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا هُوَ لَابِسُهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً هُوَ رَاكِبُهَا، فَإِنْ نَزَلَ فِي أَوَّلِ حَالَةِ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا حَنِثَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ حَتَّى يَبْتَدِئَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ. كَذَا هَاهُنَا.
وَلَنَا، أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ تُسَمَّى لُبْسًا وَرُكُوبًا، وَيُسَمَّى بِهِ لَابِسًا وَرَاكِبًا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: لَبِسْت هَذَا الثَّوْبَ شَهْرًا، وَرَكِبْت دَابَّتِي يَوْمًا. فَحَنِثَ، بِاسْتِدَامَتِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ، فَاسْتَدَامَ السُّكْنَى، وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ هَذَا فِي الْإِحْرَامِ، حَيْثُ حَرَّمَ لُبْسَ الْمَخِيطِ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي اسْتِدَامَتِهِ، كَمَا أَوْجَبَهَا فِي ابْتِدَائِهِ، وَفَارَقَ التَّزْوِيجَ، فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِدَامَةِ، فَلَا يُقَالُ: تَزَوَّجْت شَهْرًا. وَإِنَّمَا يُقَالُ: مُنْذُ شَهْرٍ. وَلِهَذَا لَمْ تَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ فِي الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَيَّبُ وَلَا يَتَطَهَّرُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ]
(٨٠٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَدِيمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ اسْمُ الْفِعْلِ، فَلَا يُقَالُ: تَزَوَّجْت شَهْرًا. وَلَا: تَطَهَّرْت شَهْرًا. وَلَا: تَطَيَّبْت شَهْرًا. وَإِنَّمَا يُقَالُ: مُنْذُ شَهْرٍ. وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّارِعُ اسْتِدَامَةَ التَّزْوِيجِ وَالطِّيبِ مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهَا فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلَ دَارًا هُوَ فِيهَا فَأَقَامَ فِيهَا]
(٨٠٩٣) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلَ دَارًا هُوَ فِيهَا، فَأَقَامَ فِيهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمُقَامِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَابْتِدَائِهِ فِي التَّحْرِيمِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ: لَا دَخَلْت أَنَا وَأَنْتِ هَذِهِ الدَّارَ. وَهُمَا جَمِيعًا فِيهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا يُسْتَعْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute