فَجَامِعَهَا، لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ هِجْرَانَهَا. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ كَلَّمْتُك خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ. أَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُكَلِّمَهَا؟ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ بَدْو هَذَا أَيَسُوءُهَا أَوْ يَغِيظُهَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُكَلِّمَهَا. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ. فَقَرَأَهُ فِي نَفْسه، وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ بِهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَاءَةُ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، فَتَنْصَرِفُ يَمِينُهُ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ الْقِرَاءَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا حَلَفَ: لَا قَرَأْت لِفُلَانٍ كِتَابًا. فَفَتْحَهُ حَتَّى اسْتَقْصَى آخِرَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَعْلَمَ مَا فِيهِ، فَقَدْ عَلِمَ مَا فِيهِ وَقَرَأَهُ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ]
(٥٩٧١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَقَالَتْ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ. انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا خَاطِبَتِهِ بِيَمِينِهَا، فَاتَتْهُ الْبِدَايَةُ بِكَلَامِهَا، وَبَقِيَتْ يَمِينُهَا مُعَلَّقَةً، فَإِنْ بَدَأَهَا بِكَلَامِ انْحَلَّتْ يَمِينُهَا أَيْضًا، وَإِنْ بَدَأَتْهُ هِيَ، عَتَقَ عَبْدُهَا. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَيَحْتَمِل أَنَّهُ إنْ بَدَأَهَا بِالْكَلَامِ فِي وَقْتٍ آخَر، حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى بِدَايَةً، فَتَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَرَكَ الْبِدَايَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، أَوْ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَيَتَقَيَّد بِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ]
(٥٩٧٢) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ رَجُلًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ تَكْلِيمَهُمَا وُجِدَ مِنْهُمَا، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَحَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَيْضَةً. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ دَابَّتَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، لَا يَحْنَثُ حَتَّى تُكَلِّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الرَّجُلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا بِكَلَامِهِمَا لَهُمَا فَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ بِكَلَامِ الْأُخْرَى وَحْدَهَا. وَهَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ. فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأُولَى. وَهَذَا فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِهِ، فَأَمَّا مَا جَرَى الْعُرْفُ فِيهِ بِانْفِرَادِ الْوَاحِدِ فِيهِ بِالْوَاحِدِ، كَنَحْوِ: رَكِبَا دَابَّتَيْهِمَا، وَلَبِسَا ثَوْبَيْهِمَا، وَتَقَلَّدَا سَيْفَيْهِمَا، وَاعْتَقَلَا رُمْحَيْهِمَا، وَدَخَلَا بِزَوْجَيْهِمَا.
وَأَشْبَاه هَذَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا وُجِدَ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ. فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الرَّغِيفَيْنِ، بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ وَالدَّارَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute