ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: هِيَ جَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ. وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ هِيَ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ، وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ إنَّمَا نَفَذَتْ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ، فَأَنْفَذَهُ، فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ. وَلَا مُخَالِفَ لَهُ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " سُنَنِهِ ". وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ الْجَوْفَ، بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ. لِأَنَّهُ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، فَكَانَ جَائِفَتَيْنِ كَمَا لَوْ أَنْفَذَهُ بِضَرْبَتَيْنِ. وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِوُصُولِ الْجُرْحِ إلَى الْجَوْفِ، لَا بِكَيْفِيَّةِ إيصَالِهِ، إذْ لَا أَثَرَ لِصُورَةِ الْفِعْلِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ لَيْسَ بِمَذْكُورِ فِي خَبَرٍ، وَإِنَّمَا الْعَادَةُ فِي الْغَالِبِ وُقُوعُ الْجَائِفَةِ هَكَذَا، فَلَا يُعْتَبَرُ، كَمَا أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْغَالِبِ حُصُولُهَا بِالْحَدِيدِ، وَلَوْ حَصَلَتْ بِغَيْرِهِ لَكَانَتْ جَائِفَةً. ثُمَّ يَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ بِمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَائِفَةٍ إنْسَانٍ، فَخَرَقَ بَطْنَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِيمَنْ أَوْضَحَ إنْسَانًا فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ رَأْسَ السِّكِّينِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَهِيَ مُوضِحَتَانِ. فَإِنْ هَشَمَهُ هَاشِمَةً لَهَا مَخْرَجَانِ، فَهِيَ هَاشِمَتَانِ. وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
[فَصْلٌ أَدْخَلَ إصْبَعه فِي فَرْج بِكْر فَأَذْهَب بَكَارَتهَا]
(٦٩٨٤) فَصْلٌ: فَإِنْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي فَرْجِ بِكْرٍ، فَأَذْهَبَ بَكَارَتَهَا، فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَوْفٍ.
[مَسْأَلَةٌ وَطِئَ زَوْجَته وَهِيَ صَغِيرَة فَفَتْقهَا]
(٦٩٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَفَتَقَهَا، لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ) . مَعْنَى الْفَتْقِ، خَرْقُ مَا بَيْنَ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ. وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَاهُ خَرْقُ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، إلَّا أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَذْهَبَ بِالْوَطْءِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَاجِزِ، فَإِنَّهُ حَاجِزٌ غَلِيظٌ قَوِيٌّ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي فَصْلَيْنِ؛ (٦٩٨٦) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، فِي أَصْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ. وَالثَّانِي: فِي قَدْرِهِ: أَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِوَطْءِ الصَّغِيرَةِ أَوْ النَّحِيفَةِ الَّتِي لَا تَحَمَّلُ الْوَطْءَ، دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَطْءٌ مُسْتَحَقٌّ، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ كَالْبَكَارَةِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ مِمَّنْ يَصِحُّ إذْنُهُ، فَلَمْ يُضْمَنْ مَا تَلِفَ بِسِرَايَتِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي مُدَاوَاتِهَا بِمَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ، وَكَقَطْعِ السَّارِقِ، أَوْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَعَكْسُهُ الصَّغِيرَةُ وَالْمُكْرَهَةُ عَلَى الزِّنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute