للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفْضِي إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ فِعْلَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، شَرِبَ الْخَمْرَ، وَفَعَلَ مَا أَحَبَّ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ السُّكْرَ مَظِنَّةٌ لِفِعْلِ الْمَحَارِمِ، وَسَبَبٌ إلَيْهِ، فَقَدْ تَسَبَّبَ إلَى فِعْلِهَا حَالَ صَحْوِهِ.

فَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى وَهُوَ سَكْرَانُ، لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ عَلَى صِحَّةِ خَبَرِهِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ. وَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَنْكَهَ مَاعِزًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، لِيَعْلَمَ هَلْ هُوَ سَكْرَانُ أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ السَّكْرَانُ مَقْبُولَ الْإِقْرَارِ، لَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَعَرُّفِ بَرَاءَتِهِ مِنْهُ.

[فَصْل الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرِيض فِي مَرَضُهُ]

(٧١٧٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُوَ صَحِيحٌ. فَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَرَضِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ، وَإِنْ وَجَبَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَا يُؤْمَنُ بِهِ تَلَفُهُ، فَإِنْ خِيفَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، ضُرِبَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بِضِغْثٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ أَوْ عُودٍ صَغِيرٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الصَّحِيحَ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوَطْءُ، فَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ، كَالْمَجْنُونِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّنَا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَى الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَلَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَهِيَ كَاذِبَةٌ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْخَصِيُّ أَوْ الْعِنِّينُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِهِ، كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ.

[فَصْل إقْرَار الْأَخْرَس بِالزِّنَا]

(٧١٨٠) فَصْلٌ: وَأَمَّا الْأَخْرَسُ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إقْرَارٌ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِغَيْرِ الزِّنَى صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ كَالنَّاطِقِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَحْتَمِلُ مَا فُهِمَ مِنْهَا وَغَيْرُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا يَجِبُ بِالْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا وَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا شُبْهَةً، وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ أَنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَالْإِشَارَةُ لَا تَنْتَفِي مَعَهَا الشُّبُهَاتُ، فَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِهَا الْحَدُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

[فَصْلٌ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا]

(٧١٨١) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُكْرَهِ، فَلَوْ ضُرِبَ الرَّجُلُ لِيُقِرَّ بِالزِّنَا، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ الزِّنَا. وَلَا نَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ إقْرَارَ الْمُكْرَهِ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا جَوَّعْتَهُ، أَوْ ضَرَبْتَهُ، أَوْ أَوْثَقْتَهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي رَجُلٍ اعْتَرَفَ بَعْدَ جَلْدِهِ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا ثَبَتَ بِهِ الْمُقَرُّ بِهِ؛ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَى الصِّدْقِ، وَانْتِفَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>