وَالثَّانِيَةُ، أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَيَصِحُّ الرَّدُّ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذَهُ، فَأَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَالثَّالِثَةُ، أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ رَدَّهُ لِسَائِرِ مِلْكِهِ، إلَّا أَنْ يَرْضَى الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ، فَتَكُونَ هِبَةً مِنْهُ لَهُمْ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ. وَالرَّابِعَةُ، أَنْ يَرُدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، صَحَّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَأَشْبَهَ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الرَّدُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ الرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا مَلَكُوا الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، مَلَكُوا الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَلِأَنَّ مِلْكَ الْوَصِيِّ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَصَحَّ رَدُّهُ، كَمَا قَبْلَ الْقَبُولِ. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ.
[فَصْل الْوَصِيَّة تَبْطُلُ بِالرَّدِّ وَتَرْجِعُ إلَى التَّرِكَة]
(٤٦١٩) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَحَّ الرَّدُّ فِيهِ، فَإِنْ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَتَرْجِعُ إلَى التَّرِكَةِ، فَتَكُونُ لِلْوُرَّاثِ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَهُمْ، وَإِنَّمَا خَرَجَ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، رَجَعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تُوجَدْ. وَلَوْ عَيَّنَ بِالرَّدِّ وَاحِدًا، وَقَصَدَ تَخْصِيصَهُ بِالْمَرْدُودِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِجَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ امْتِنَاعٌ مِنْ تَمَلُّكِهِ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ دَفْعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ، فَلَمْ يَمْلِكْ دَفْعَهُ إلَى وَارِثٍ يَخُصُّهُ بِهِ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ وَاحِدًا مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ هِبَةٍ، وَيَمْلِكُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ، فَمَلَكَ دَفْعَهُ إلَى وَارِثٍ. فَلَوْ قَالَ: رَدَدْت هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ. قِيلَ لَهُ: مَا أَرَدْت بِقَوْلِكَ لِفُلَانٍ؟ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا، وَتَخْصِيصَهُ بِهَا. فَقَبِلَهَا، اخْتَصَّ بِهَا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت رَدَّهَا إلَى جَمِيعِهِمْ، لِيَرْضَى فُلَانٌ. عَادَتْ إلَى جَمِيعِهِمْ إذَا قَبِلُوهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَلِمَنْ قَبِلَ حِصَّتُهُ مِنْهَا.
[فَصْل يَحْصُلُ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ رَدَدْت الْوَصِيَّةَ]
(٤٦٢٠) فَصْلٌ: وَيَحْصُلُ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ: رَدَدْت الْوَصِيَّةَ. وَقَوْلِهِ: لَا أَقْبَلُهَا. وَمَا أَدَّى هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ أَوْصَيْت لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: لَا أَقْبَلُهَا. فَهِيَ لِوَرَثَتِهِ. يَعْنِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute