وَالشَّعْبِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ: يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ غُرْمُ مَا عَلَيْهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اسْتَوْفَى مِنْ الْوَثِيقَةِ كَالرَّهْنِ، وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ، فَلَزِمَ كَفِيلَهُ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ غَابَ. وَلَنَا، أَنَّ الْحُضُورَ سَقَطَ عَنْ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَبَرِئَ الْكَفِيلُ، كَمَا لَوْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ. وَلِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَجْلِهِ سَقَطَ عَنْ الْأَصْلِ، فَبَرِئَ الْفَرْعُ، كَالضَّامِنِ إذَا قَضَى الْمَضْمُونُ عَنْهُ الدَّيْنَ، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ، وَفَارَقَ مَا إذَا غَابَ، فَإِنَّ الْحُضُورَ لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ، وَيُفَارِقُ الرَّهْنَ؛ فَإِنَّهُ عُلِّقَ بِهِ الْمَالُ، فَاسْتُوْفِيَ مِنْهُ.
[فَصْلٌ قَالَ الْكَفِيلُ قَدْ بَرِئَ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ]
(٣٦٠٨) فَصْلٌ: إذَا قَالَ الْكَفِيلُ: قَدْ بَرِئَ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ. أَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حِينَ كَفَلْته. فَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ وَبَقَاءُ الدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَإِنْ نَكَلَ، قُضِيَ عَلَيْهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَحْلِفَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ تَكَفَّلَ بِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ فِيمَا ادَّعَاهُ، فَإِنَّ مَنْ كَفَلَ بِشَخْصٍ مُعْتَرِفٍ بِدَيْنِهِ فِي الظَّاهِرِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ.
[فَصْلٌ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِلْكَفِيلِ أَبْرَأْتُك مِنْ الْكَفَالَةِ]
(٣٦٠٩) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِلْكَفِيلِ: أَبْرَأْتُك مِنْ الْكَفَالَةِ. بَرِئَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ، كَالدَّيْنِ. وَإِنَّ قَالَ: قَدْ بَرِئْت إلَى مِنْهُ. أَوْ قَدْ رَدَدْته إلَى. بَرِئَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِوَفَاءِ الْحَقِّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ فِي الضَّمَانِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلْت بِهِ. يَبْرَأُ الْكَفِيلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دُونَ الْمَكْفُولِ بِهِ. وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْحَقِّ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقِيلَ: يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْحَقِّ، فِيمَا إذَا قَالَ: بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلْت بِهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ بَرَاءَتُهُ بِدُونِ قَبْضِ الْحَقِّ، بِإِبْرَاءِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ. فَأَمَّا إنَّ قَالَ لِلْمَكْفُولِ بِهِ: أَبْرَأْتُك عَمَّا لِي قِبَلَك مِنْ الْحَقِّ. أَوْ بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قِبَلَك. فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْحَقِّ، وَتَزُولُ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ مَا قَبْلَهُ. وَإِنْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ فُلَانٌ. بَرِئَ، وَبَرِئَ كَفِيلُهُ.
[فَصْل كَانَ لِذِمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ خَمْرٌ]
(٣٦١٠) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِذِمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ خَمْرٌ، فَكَفَلَ بِهِ ذِمِّيٌّ آخَرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَسْلَمَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ، لَمْ يَبْرَأْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُهُمَا قِيمَةُ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا، وَلَمْ يُوجَدْ إسْقَاطٌ وَلَا اسْتِيفَاءٌ، وَلَا وُجِدَ مِنْ الْمَكْفُولِ لَهُ مَا يُسْقِطُ حَقَّهُ، فَبَقِيَ بِحَالِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْكَفَالَةِ. وَإِذَا بَرِئَ الْمَكْفُولُ بِهِ، بَرِئَ كَفِيلُهُ. كَمَا لَوْ أَدَّى الدَّيْنَ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْمَكْفُولُ لَهُ، بَرِئَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ