للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ، كَالْبَهِيمَةِ.

[مَسْأَلَة أَخَذَ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ]

(٧٥٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ قَطَعَ مِنْ مَوَاتِهِمْ حَجَرًا، أَوْ عُودًا، أَوْ صَادَ حُوتًا أَوْ ظَبْيًا، رَدَّهُ عَلَى سَائِرِ الْجَيْشِ، إذَا اسْتَغْنَى عَنْ أَكْلِهِ، وَالْمَنْفَعَةِ بِهِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَالْمُسْلِمُونَ شُرَكَاؤُهُ فِيهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفَرِدُ آخِذُهُ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، مَلَكَهُ، كَالشَّيْءِ التَّافِهِ.

وَهَذَا قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ ذُو قِيمَةٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ بِظَهْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ غَنِيمَةً، كَالْمَطْعُومَاتِ، وَفَارَقَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَيْشِ فِي أَخْذِهِ. فَأَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ طَعَامًا مَمْلُوكًا لِلْكُفَّارِ، كَانَ لَهُ أَكْلُهُ إذَا احْتَاجَ، فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّيُودِ وَالْمُبَاحَاتِ أَوْلَى.

(٧٥٤٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخَذَ مِنْ بُيُوتِهِمْ، أَوْ خَارِجٍ مِنْهَا، مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضِهِمْ، كَالْمِسَنِّ، وَالْأَقْلَامِ، وَالْأَحْجَارِ، وَالْأَدْوِيَةِ، فَلَهُ أَخْذُهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ صَارَتْ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ أَوْ مُعَالَجَتِهِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَحْوِ هَذَا. وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إذَا جَاءَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. دَفَعَهُ فِي الْمُقْسِم، وَإِنْ عَالَجَهُ فَصَارَ لَهُ ثَمَنٌ، أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِيهِ، وَبِقِيمَتِهِ فِي الْمُقْسِم. وَلَنَا، أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا صَارَتْ لَهُ بِعَمَلِهِ أَوْ بِنَقْلِهِ، فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً، كَمَا لَوْ لَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ.

[فَصْلٌ تَرَكَ صَاحِبُ الْمُقْسِم شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ عَجْزًا عَنْ حَمْلِهِ]

(٧٥٥٠) فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ صَاحِبُ الْمَقْسِمِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، عَجْزًا عَنْ حَمْلِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. فَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ غَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَيَبْقَى خُرْثِيُّ الْمَتَاعِ، مِمَّا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى، فَيَدَعُهُ الْوَالِي بِمَنْزِلَةِ الْعَقَارِ وَالْفَخَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَيَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا تُرِكَ، وَلَمْ يُشْتَرَ.

وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ، فِي الْمَتَاعِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِهِ: إذَا حَمَلَهُ رَجُلٌ يُقْسَمُ. وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ. قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَى أَبُو طَالِبٍ هَذِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ؛ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا وَافَقَ أَصْحَابَهُ، وَفِي مَوْضِعٍ خَالَفَهُمْ.

قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هَذَا أَوَّلًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبِيحَهُ وَأَنْ يُحَرِّمَهُ، وَأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَصَارَ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>