[فَصْل نَفَقَة الْعَبْد الْمُشْتَرَك الْمُعْتَق بَعْضه فِي حَيَاتِهِ وَفِطْرَتَهُ وَأَكْسَابَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ]
(٨٥٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا حَكَمْنَا بِعِتْقِ بَعْضِهِ، وَرِقِّ بَاقِيه، فَإِنَّ نَفَقَتَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَفِطْرَتَهُ، وَأَكْسَابَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ. وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ بَيْنَهُمَا، كَانَتْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكَسْبُهُ فِي أَيَّامِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَفِي أَيَّامِ سَيِّدِهِ يَكُونُ كَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْأَكْسَابُ النَّادِرَةُ؛ كَاللُّقَطَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَكْسَابِهِ فَأَشْبَهَتْ الْمُعْتَادَةَ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُعَاوَضَةٌ، فَكَأَنَّهُ تَعَاوَضَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ كَسْبِهِ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ بِنَصِيبِ سَيِّدِهِ فِي يَوْمِهِ، فَلَا تَتَنَاوَلُ الْمُعَاوَضَةُ الْمَجْهُولَ، وَمَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ.
فَأَمَّا الْمِيرَاثُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، وَيَمْلِكُ هَذَا الْعَبْدُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمِلْكِ، وَيَرِثُ وَيُورِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ]
(٨٥٨٨) فَصْلٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزُ التَّصَرُّفِ، صَحَّ عِتْقُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ، عَتَقَ كُلُّهُ. فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، قَالُوا: يَعْتِقُ كُلُّهُ إذَا أُعْتِقَ نِصْفُهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: يَعْتِقُ فِي عِتْقِهِ، وَيَرِقُّ فِي رِقِّهِ. وَقَالَ حَمَّادٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ مِنْهُ مَا أُعْتِقَ، وَيَسْعَى فِي بَاقِيه. وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ أَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَرَوْا عَلَيْهِ سِعَايَةً.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ، ثُمَّ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ: أَرَى نِصْفَهُ حُرًّا، وَنِصْفَهُ رَقِيقًا، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ، فَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيه، كَالْبَيْعِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ مَعَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَبْدِ» . وَإِذَا أُعْتِقَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى عِتْقِ جَمِيعِهِ إذَا كَانَ كُلُّهُ مِلْكًا لَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ» . وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ لِبَعْضِ مَمْلُوكِهِ الْآدَمِيِّ، فَزَالَ عَنْ جَمِيعِهِ، كَالطَّلَاقِ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى السِّعَايَةِ، وَلَا يَنْبَنِي عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعْتِقَ جُزْءًا كَبِيرًا، كَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ، أَوْ صَغِيرًا، كَعُشْرِهِ وَعُشْرِ عُشْرِهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ إذَا كَانَ مُشَاعًا.
وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُعَيَّنًا، كَرَأْسِهِ، أَوْ يَدِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ، عَتَقَ كُلُّهُ أَيْضًا. وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ أَعْتَقَ رَأْسَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute