للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» . وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَيُسَلَّمُ إلَيْكُمْ. وَفِي لَفْظٍ: «وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَأَرَادَ دَمَ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْقَتِيلِ ثَابِتٌ لَهُمْ قَبْلَ الْيَمِينِ. وَالرُّمَّةُ: الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ، فَيَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ، كَالْبَيِّنَةِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ الطَّائِفَةَ» . وَهَذَا نَصٌّ. وَلِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُدَّعِي مَعَ يَمِينِهِ، احْتِيَاطًا لِلدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ، سَقَطَ هَذَا الْمَعْنَى.

[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَحْلِف الْمُدَّعُونَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ]

(٧٠٢٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَبُرِّئَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَبِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ، وَيُغَرَّمُونَ الدِّيَةَ؛ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ، وَخَبَرِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» . أَيْ يَتَبَرَّءُونَ مِنْكُمْ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ» . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُغَرِّمْ الْيَهُودَ، وَأَنَّهُ أَدَّاهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَبْرَأُ بِهَا، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ إعْطَاءٌ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَلَمْ يَجُزْ لِلْخَبَرِ، وَمُخَالَفَةِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِهِ، كَدَعْوَى الْمَالِ، وَسَائِرِ الْحُقُوقِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْغُرْمِ، فَلَمْ يُشْرَعْ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَحْلِف الْمُدَّعُونَ وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

(٧٠٢٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَعْنِي أَدَّى دِيَتَهُ؛ لِقَضِيَّةِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ حِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَأَبَى الْأَنْصَارُ أَنْ يَحْلِفُوا؛ وَقَالُوا: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَوَدَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ» . فَإِنْ تَعَذَّرَ فِدَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ، وَقَدْ امْتَنَعَ مُسْتَحِقُّوهَا مِنْ اسْتِيفَائِهَا، فَلَمْ يَجِبْ لَهُمْ غَيْرُهَا، كَدَعْوَى الْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>