للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَغَيُّرِهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَصَارَتْ نَصًّا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاكِنْهُ فِيهَا، لِكَوْنِ الْمُسَاكَنَةِ فِي الدَّارِ لَا تَحْصُلُ مَعَ كَوْنِهِمَا دَارَيْنِ،، وَفَارَقَ الدُّخُولَ، فَإِنَّهُ دَخَلَهَا مُتَغَيِّرَةً.

[فَصْلٌ حَلَفَ لَيَخْرُجْنَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ]

(٨٠٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، اقْتَضَتْ يَمِينُهُ الْخُرُوجَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنْهَا وَإِنَّ حَلَفَ لَيَخْرُجْنَ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، تَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ الْخُرُوجَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ عَادَةً، فَظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخُرُوجَ الْمُعْتَادَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْخُرُوجَ الَّذِي هُوَ النَّقْلَةُ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَإِذَا خَرَجَ الْحَالِفُ، فَهَلْ لَهُ الْعَوْدُ فِيهِ؟ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَقَدْ خَرَجَ، فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ، لِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ فِيمَا بَعْدُ.

وَالثَّانِيَةُ، يَحْنَثُ بِالْعَوْدِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ قَصْدُ هِجْرَانِ مَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْعَوْدِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبًا هَيَّجَ يَمِينَهُ، أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةُ حَالِهِ عَلَى إرَادَتِهِ هِجْرَانَهُ، أَوْ نَوَى ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، فَاقْتَضَتْ يَمِينُهُ دَوَامَ اجْتِنَابِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَمُقْتَضَاهُ هَاهُنَا الْخُرُوجُ، وَقَدْ فَعَلَهُ، فَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْهَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْ بَلَدٍ، لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالرَّحِيلِ بِأَهْلِهِ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا]

(٨٠٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ، لَمْ يَحْنَثْ) نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ هَذَا، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْهُ، وَلَا مَنْسُوبٍ إلَيْهِ. وَإِنْ حُمِلَ بِأَمْرِهِ، فَأُدْخِلَهَا، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُخْتَارًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ رَاكِبًا. وَإِنْ حُمِلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُ أَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، حَنِثَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا غَيْرَ مُكْرَهٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حُمِلَ بِأَمْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِي الْحِنْثِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الدُّخُولَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ. وَمَتَى دَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ، حَنِثَ، سَوَاءٌ كَانَ مَاشِيًا، أَوْ رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا، أَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ فَجَرَّهُ إلَيْهَا، أَوْ سَبَحَ فِيهِ فَدَخَلَهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا مِنْ بَابِهَا، أَوْ تَسَوَّرَ حَائِطَهَا، أَوْ دَخَلَ مِنْ طَاقَةٍ فِيهَا، أَوْ نَقَبَ حَائِطًا، وَدَخَلَ مِنْ ظَهْرِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

(٨٠٨٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهْ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى دُخُولِهَا، فَدَخَلَهَا، لَمْ يَحْنَثْ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ أَحَدُ، قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>