[فَصْل مَا يُسْتَحَبّ فِي الْوُضُوء]
(١٣٧) فَصْلٌ: قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَلَمْ أَرَهُ يَمْسَحُ عَلَى عُنُقِهِ، فَقُلْت لَهُ: أَلَّا تَمْسَحُ عَلَى عُنُقِك؟ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقُلْت: أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: هُوَ مَوْضِعُ الْغُلِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ هَكَذَا يَمْسَحُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفْعَلْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ زِيَادَةٌ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «امْسَحُوا أَعْنَاقَكُمْ مَخَافَةَ الْغُلِّ» . وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْت أَبِي إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مَسَحَ قَفَاهُ. وَوَهَّنَ الْخَلَّالُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: هِيَ وَهْمٌ.
وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ.» وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا. وَذَكَرَ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يُنْكِرُهُ، وَأَنْكَرَهُ، يَحْيَى أَيْضًا. وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَرَوْهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
[فَصْل مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ]
(١٣٨) فَصْلٌ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ غَسْلَ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَمِيَ مِنْ كَثْرَةِ إدْخَالِ الْمَاءِ فِي عَيْنَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَبْلَغُ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَتُغْسَلُ فِيهِ بَوَاطِنُ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ، وَمَا تَحْتَ الْجَفْنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَدَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ الْبَدَنِ الْمُمْكِنِ غَسْلُهُ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَا أَمَرَ بِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِبَصَرِهِ، وَفِعْلُ مَا يُخَافُ مِنْهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ أَوْ نَقْصُهُ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا.
[مَسْأَلَةُ تَخْلِيلُ مَا بَيْنَ الْأَصَابِع]
(١٣٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَتَخْلِيلُ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ مَسْنُونٌ، وَهُوَ فِي الرِّجْلَيْنِ آكَدُ؛ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ: أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ الْأَصَابِعَ» . وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ وَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ:: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَضَّأَ دَلَكَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيَبْدَأُ فِي تَخْلِيلِ الْيُمْنَى مِنْ خِنْصَرِهَا إلَى إبْهَامِهَا، وَفِي الْيُسْرَى مِنْ إبْهَامِهَا إلَى خِنْصَرِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي وُضُوئِهِ. وَفِي هَذَا تَيَمُّنٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute