وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ ذَا نَابٍ يَصِيدُ بِهِ وَيَفْرِسُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ]
(٧٧٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، وَهِيَ الَّتِي تُعَلِّقُ بِمَخَالِبِهَا الشَّيْءَ، وَتَصِيدُ بِهَا) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّيْرِ شَيْءٌ. قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ سِبَاعَ الطَّيْرِ. وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْآيَاتِ الْمُبِيحَةِ، وَقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ: مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ، فَهُوَ مَا عَفَا عَنْهُ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ يَعْدُو بِهِ، كَالْعُقَابِ، وَالْبَازِي، وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ وَالْبَاشَقِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْبُومَةِ، وَأَشْبَاهِهَا.
(٧٧٩٢) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ مِنْهَا مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، كَالنُّسُورِ وَالرَّخَمِ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ، وَهُوَ أَكْبَرُ الْغِرْبَانِ، وَالْأَبْقَعِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا، وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَلَعَلَّهُ يَعْنِي قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . فَهَذِهِ الْخَمْسُ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ قَتْلَهَا فِي الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ مَا يُؤْكَلُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ الْعَقْعَقِ، فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ الْجِيَفَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ يَأْكُلُ الْجِيَفَ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مُحَرَّمًا.
[فَصْلٌ حُكْمُ أَكْلِ الْخُطَّافِ وَالْخُشَّافِ وَالْخُفَّاشِ]
(٧٧٩٣) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ الْخُطَّافُ وَالْخُشَافُ وَالْخُفَّاشُ وَهُوَ الْوَطْوَاطُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ... نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُشَّافَ؟ وَسُئِلَ عَنْ الْخُطَّافِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كُلُّ الطَّيْرِ حَلَالٌ