[مَسْأَلَةُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذ عِمَالَته مِنْ الزَّكَاة سَوَاء كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا]
(١٧٧٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، فَيُعْطَوْنَ بِحَقِّ مَا عَمِلُوا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ عِمَالَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عَامِلٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ.
وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُ عَلَى الْعِمَالَةِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ أَخْذِهِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ كَافِرًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، وَالْكُفْرُ يُنَافِي الْأَمَانَةَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا، وَذَا قَرَابَةٍ لِرَبِّ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ: " بِحَقِّ مَا عَمِلُوا " يَعْنِي يُعْطِيهِمْ بِقَدْرِ أُجْرَتِهِمْ وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إذَا بَعَثَ عَامِلًا؛ إنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَا سَمَّى لَهُ، وَإِنْ شَاءَ بَعَثَهُ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ أَجْرَ مِثْلِهِ.
وَهَذَا كَانَ الْمَعْرُوفَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَاطَعَ أَحَدًا مِنْ الْعُمَّالِ عَلَى أَجْرٍ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا فَرَغْت مِنْهَا وَأَدَّيْتهَا إلَيْهِ، أَمَرَ لِي بِعِمَالَةٍ فَقُلْت، إنَّمَا عَمِلْت لِلَّهِ وَأَجْرِي عَلَى اللَّهِ. قَالَ: خُذْ مَا أُعْطِيتَ، فَإِنِّي قَدْ عَمِلْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمِلَنِي، فَقُلْت مِثْلَ قَوْلِك، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ»
(١٧٧٦) فَصْلٌ: وَيُعْطِي مِنْهَا أَجْرَ الْحَاسِبِ وَالْكَاتِبِ وَالْحَاشِرِ وَالْخَازِنِ وَالْحَافِظِ وَالرَّاعِي وَنَحْوِهِمْ. فَكُلُّهُمْ مَعْدُودُونَ مِنْ الْعَامِلِينَ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ حِصَّةِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا أَجْرُ الْوَزَّانِ وَالْكَيَّالِ لِيَقْبِضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ دَفْعِ الزَّكَاةِ.
[فَصْلٌ لَا يُعْطَى الْكَافِر مِنْ الزَّكَاة إلَّا لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا]
(١٧٧٧) فَصْلٌ: وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ مِنْ الزَّكَاةِ، إلَّا لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْإِنْسَانُ ذَا قَرَابَتِهِ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِكَوْنِهِ غَازِيًا، أَوْ مُؤَلَّفًا، أَوْ غَارِمًا فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، أَوْ عَامِلًا، وَلَا يُعْطِي لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ رَجُلٍ ابْتَاعَهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ، فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ إلَى الْغَنِيِّ»
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute