تَسْتَأْنِفُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَخْلُو مِنْ عِدَّةٍ، فَأَوْجَبَ عِدَّةً مُسْتَأْنَفَةً، كَالْأَوَّلِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَلَمْ يُوجِبْ عِدَّةً، لِعُمُومِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] . وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي " كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ " أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، لَكِنْ يَلْزَمُهَا إتْمَامُ بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، لِأَنَّهُ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَيَطَؤُهَا وَيَخْلَعُهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي الْحَالِ، وَيَتَزَوَّجُهَا الثَّانِي، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
فَإِنْ خَلَعَهَا حَامِلًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا قَبْلَ وَضْعِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ الثَّانِي، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِلطَّلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي، بِغَيْرِ خِلَافٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِعَدِّ قَضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ الثَّانِي، وَقَبْلَ طَلَاقِهِ، فَمَنْ قَالَ: يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ. أَوْجَبَ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادَ بَعْدَ طَلَاقِ الثَّانِي بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. وَمَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ عِدَّةٍ. لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا هَاهُنَا عِدَّةً؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى انْقَضَتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَعْتَدَّ الْحَامِلُ بِغَيْرِ وَضْعِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَات الْقُرُوءِ أَوْ الشُّهُورِ، فَنَكَحَهَا الثَّانِي بَعْدَ مُضِيِّ قُرْءٍ أَوْ شَهْرٍ، ثُمَّ مَضَى قُرْءَانِ أَوْ شَهْرَانِ قَبْلَ طَلَاقِهِ مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي، فَقَدْ انْقَطَعْت الْعِدَّةُ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي، فَإِنْ قُلْنَا: تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ. فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ تَامَّةٌ، بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَإِنْ قُلْنَا: تَبْنِي. أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ الْأُولَى بِقُرْأَيْنِ أَوْ شَهْرَيْنِ.
[فَصْلٌ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا]
(٦٣٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَوَطِئَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا، انْقَطَعْت الْعِدَّةُ الْأُولَى بِرَجْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ حُكْمُ الطَّلَاقِ، وَتَسْتَأْنِفُ عِدَّةً مِنْ الطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَسِيسُ. وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسّهَا، فَهَلْ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، أَوْ تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: أُولَاهُمَا: أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ أَزَالَتْ شُعْثَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ. وَرَدَّتْهَا إلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَصَارَ الطَّلَاقُ الثَّانِي طَلَاقًا مِنْ نِكَاحٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَسِيسُ. وَالثَّانِيَةُ، تَبْنِي؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى النِّكَاحِ الْجَدِيدِ، وَلَوْ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ، لَمْ يَلْزَمْهَا لِذَلِكَ الطَّلَاقِ عِدَّةٌ، فَكَذَلِكَ الرَّجْعَةُ.
فَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ بِخَلْعِ أَوْ غَيْرِهِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ فِي الْعِدَّةِ مُوجَبُ الطَّلَاقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute