للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الِانْدِمَالَ وَالْقَتْلَ مَنَعَ وُجُودَ السِّرَايَةِ، وَالرِّدَّةَ مَنَعَتْ ضَمَانَهَا، وَلَمْ تَمْنَعْ جَعَلَهَا قَتْلًا. وَلِلشَّافِعِي مِنْ التَّفْصِيلِ نَحْوٌ مِمَّا قُلْنَا.

[فَصْلٌ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَتَمَجَّسَ]

فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَتَمَجَّسَ، وَقُلْنَا: لَا يُقَرُّ. فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ. وَإِنْ قُلْنَا: يُقَرُّ عَلَيْهِ. وَجَبَتْ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مَجُوسِيٍّ، فَتَنَصَّرَ، ثُمَّ مَاتَ، وَقُلْنَا: يُقَرُّ. وَجَبَتْ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، أَنْ تَجِبَ دِيَةُ نَصْرَانِيٍّ فِي الْأُولَى، وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ فِي الثَّانِيَةِ، كَقَوْلِهِمْ فِي مَنْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ ضَمِنَهُ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ذِمِّيٍّ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ.

[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ]

(٦٥٩٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ زَمَنُ الرِّدَّةِ تَسْرِي فِي مِثْلِهِ الْجِنَايَةُ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ. وَهَلْ يَجِبُ فِي الطَّرَفِ الَّذِي قُطِعَ فِي إسْلَامِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ كُلِّهَا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهَا فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ، أَحَدُهُمَا: فِي الْإِسْلَامِ، وَالْآخَرُ: فِي الرِّدَّةِ، فَمَاتَ مِنْهُمَا.

وَلَنَا، أَنَّهُ مُسْلِمٌ حَالَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، وَاحْتِمَالُ السِّرَايَةِ حَالَ الرِّدَّةِ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السَّبَبِ الْمَعْلُومِ بِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ بِمَرَضٍ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ، أَوْ بِالْجُرْحِ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْتِ، فَأَمَّا الدِّيَةُ، فَتَجِبُ كَامِلَةً، وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ نِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحٍ مَضْمُونٍ وَسِرَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ، فَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَجَرَحَ نَفْسَهُ، فَمَاتَ مِنْهُمَا. فَأَمَّا إنْ كَانَ زَمَنُ الرِّدَّةِ لَا تَسْرِي فِي مِثْلِهِ الْجِنَايَةُ، فَفِيهِ الدِّيَةُ أَوْ الْقِصَاصُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالٍ لَوْ مَاتَ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا مُتَكَافِئَانِ حَالَ الْجِنَايَةِ وَالسِّرَايَةِ وَالْمَوْتِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ. وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ خَطَأً وَجَبْت الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ نَفْسًا مَعْصُومَةً.

[فَصْلٌ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ ثُمَّ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ]

(٦٥٩٨) فَصْلٌ: وَإِنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ، ثُمَّ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مِنْهُمَا، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ، وَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِذَلِكَ. وَسَوَاءٌ تَسَاوَى الْجُرْحَانِ، أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا، مِثْلَ إنْ قَطَعَ يَدَيْهِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَارْتَدَّ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ فِي الْحَالَيْنِ كَجُرْحِ رَجُلَيْنِ. وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ الَّذِي قَطَعَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>