للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّا صِرْنَا إلَى ذَلِكَ لِلْأَثَرِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا. وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَحِقَ بِاثْنَيْنِ، مَوْجُودٌ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُلْحَقَ مِنْ اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يُلْحَقَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ إلْحَاقَهُ بِالِاثْنَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي غَيْرِهِ، فَيَجِبُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِهِ، كَمَا أَنَّ إبَاحَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ أُبِيحَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى ذَلِكَ مَالُ غَيْرِهِ، وَالصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، لِوُجُودِ الْمَعْنَى، وَهُوَ إبْقَاءُ النَّفْسِ، وَتَخْلِيصُهَا مِنْ الْهَلَاكِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِثَلَاثَةِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، فَتَحَكُّمٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلَا عَدَّى الْحُكْمَ إلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى، وَلَا نَعْلَمُ فِي الثَّلَاثَةِ مَعْنًى خَاصًّا يَقْتَضِي إلْحَاقَ النَّسَبِ بِهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ.

[فَصْلٌ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ أَوْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا أَوْ وُجِدَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ فِي نَسَبِ اللَّقِيطِ]

(٤٥٨٠) فَصْلٌ: وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ، أَوْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ عَلَيْهَا، أَوْ تَعَارَضَتْ أَقْوَالُهَا، أَوْ وُجِدَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ، لَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا بِذِكْرِ عَلَامَةٍ فِي جَسَدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُرَجَّحُ بِهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، سِوَى الِالْتِقَاطِ فِي الْمَالِ وَاللَّقِيطِ، وَيَضِيعُ نَسَبُهُ. هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رَجُلَيْنِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، إلَى أَنَّ الِابْنَ يُخَيَّرُ أَيَّهُمَا أَحَبَّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، قَالَ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيَنْتَسِبُ إلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: حَتَّى يُمَيِّزَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: وَالِ أَيَّهمَا شِئْت. وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ بِطَبْعِهِ إلَى قَرِيبِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ، أَقَرَّ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُلْحَقُ بِالْمُدَّعِيَيْنِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا، وَجَبَ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. وَلَنَا أَنَّ دَعْوَاهُمَا تَعَارَضَتَا، وَلَا حُجَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَمْ تَثْبُتْ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا رِقَّهُ. وَقَوْلُهُمْ: يَمِيلُ بِطَبْعِهِ إلَى قَرَابَتِهِ. قُلْنَا: إنَّمَا يَمِيلُ إلَى قَرَابَتِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهَا قَرَابَتُهُ، فَالْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ سَبَبُ الْمَيْلِ، وَلَا سَبَبَ قَبْلَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِيلُ إلَى قَرَابَتِهِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَمِيلُ إلَى مَنْ أَحْسَنِ إلَيْهِ، فَإِنْ الْقُلُوبَ جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنِ إلَيْهَا، وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إلَيْهَا، وَقَدْ يَمِيلُ إلَيْهِ لِإِسَاءَةِ الْآخَرِ إلَيْهِ، وَقَدْ يَمِيلُ إلَى أَحْسَنِهِمَا خُلُقًا أَوْ أَعْظَمِهِمَا قَدْرًا أَوْ جَاهًا أَوْ مَالًا، فَلَا يَبْقَى لِلْمَيْلِ أَثَرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى النَّسَبِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ صَدَّقَ الْمُقِرَّ بِنَسَبِهِ. قُلْنَا: لَا يَحِلُّ لَهُ تَصْدِيقُهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيه. وَهَذَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَبُوهُ، فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ مَلْعُونًا بِتَصْدِيقِهِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا انْفَرَدَ، فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ يَثْبُتُ النَّسَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>