فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ» ، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مُؤَقَّتٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ فَائِتَةٍ عَلَى حَاضِرَةٍ يُخَافُ فَوَاتُهَا كَالصِّيَامِ.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا مَتَى ذَكَرَهَا» مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا ذُكِرَتْ فَوَائِتُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ إلَّا الْأُولَى، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ مَا إذَا اجْتَمَعَتْ حَاضِرَةٌ - يُخَافُ فَوْتُهَا - وَفَائِتَةٌ، لِتَأَكُّدِ الْحَاضِرَةِ بِمَا بَيَّنَّاهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ» . قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: قِيلَ لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ» فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا اللَّفْظَ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَلَا سَمِعْت بِهَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَبْدَأُ فَيَقْضِي الْفَوَائِتَ عَلَى التَّرْتِيبِ حَتَّى إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ، صَلَّاهَا، ثُمَّ عَادَ إلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا.
فَإِنْ حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ فِي صَلَاةِ الْحَاضِرَةِ، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي مَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ فَأَدْرَكَتْهُ الظُّهْرُ، وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الصَّلَوَاتِ: يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الظُّهْرَ وَيَحْسُبُهَا مِنْ الْفَوَائِتِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَصْرٌ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. فِي مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ، وَخَشِيَ فَوَاتِ الْجَمَاعَةِ، رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ وَاجِبَانِ، التَّرْتِيبُ وَالْجَمَاعَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا، فَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِمَا.
فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْحَاضِرَةِ عَلَى الْفَوَائِتِ إذَا كَثُرَتْ، فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مَتَى حَضَرَتْ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا. وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالثَّانِيَةُ، لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْجَمَاعَةِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِهِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ خَلْفَ مَنْ يُؤَدِّي الظُّهْرَ ابْتَنَى ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ ائْتِمَامِ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، سَنَذْكُرُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ سِنِينَ: يُعِيدُهَا، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلَّاهَا، وَيَجْعَلُهَا مِنْ الْفَوَائِتِ الَّتِي يُعِيدُهَا، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ. وَقَالَ: لَا يُصَلِّي مَكْتُوبَةً إلَّا فِي آخِرِ وَقْتِهَا حَتَّى يَقْضِيَ الَّتِي عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ.
[فَصْلٌ تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ لَا يَدْرِي أَيّهمَا أَوَّلًا]
(٨٤٨) فَصْلٌ: إذَا تَرَكَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ، لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلًا. فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَتَحَرَّى أَيَّهُمَا نَسِيَ أَوَّلًا، فَيَقْضِيَهَا، ثُمَّ يَقْضِيَ الْأُخْرَى. نَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ يَقْضِي. يَعْنِي أَنَّهُ يَتَحَرَّى أَيَّهُمَا نَسِيَ أَوَّلًا فَيَقْضِيهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْأُخْرَى. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مِمَّا تُبِيحُ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ، بِدَلِيلِ مَا إذَا تَضَايَقَ الْوَقْتُ أَوْ نَسِيَ الْفَائِتَةَ، فَيَدْخُلُهُ التَّحَرِّي كَالْقِبْلَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ.
نَقَلَهَا مُهَنَّا؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِيمَا فِيهِ أَمَارَةٌ، وَهَذَا لَا أَمَارَةَ فِيهِ يَرْجِعُ إلَيْهَا، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى تَرْتِيبِ الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ، ثُمَّ الْعَصْرِ، ثُمَّ الظُّهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute