للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل إذَا أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

(٢٥٧٤) فَصْلٌ: إذَا أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ، أَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ بِالنِّيَّةِ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثِ. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَرَكَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إلَى الْغَدِ رَمَاهَا، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا رَمَاهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَلَنَا، أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقْتٌ لِلرَّمْيِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِ، فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ.

قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَكُونُ رَمْيُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ قَضَاءً فَالْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ، كَقَوْلِهِ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) . وَقَوْلِهِمْ: قَضَيْت الدَّيْنَ. وَالْحُكْمُ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إذَا أَخَّرَهَا، كَالْحُكْمِ فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُرْمَ يَوْمَ النَّحْرِ رُمِيَتْ مِنْ الْغَدِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ بِنِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهَا، مَعَ فِعْلِهَا فِي أَيَّامِهَا، فَوَجَبَ تَرْتِيبُهَا مَجْمُوعَةً، كَالصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ وَالْفَوَائِتِ.

[مَسْأَلَة يُسْتَحَبّ الصَّلَاة فِي مَسْجِد مِنًى مَعَ الْإِمَام]

(٢٥٧٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدَعَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ مِنًى مَعَ الْإِمَامِ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمِنًى «قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ» .

وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مَرْضِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا صَلَّى الْمَرْءُ بِرُفْقَتِهِ فِي رَحْلِهِ. فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ، فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَتَوْدِيعِهِمْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ، قِيَاسًا عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ «رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، قَالَا: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَاطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَنَحْنُ عِنْدَ رَاحِلَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ، قَالَتْ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الرُّءُوسِ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ . قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟» . رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. يَعْنِي يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ. وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى أَنْ يُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ يَتَعَجَّلُونَ، وَكَيْفَ يُوَدِّعُونَ، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.»

<<  <  ج: ص:  >  >>