بِالْحَجِّ. قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ، بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، احْتِمَالَانِ؛ وَوَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّهُ دَمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْرَامِ، وَيَنُوبُ عَنْهُ الصِّيَامُ، فَجَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، كَدَمِ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَجَازَ أَدَاؤُهُ قَبْلَهُ، كَسَائِرِ الْفِدْيَاتِ.
[مَسْأَلَة الْمُتَمَتِّعَ إذَا لَمْ يَجِد الْهَدْيَ يَنْتَقِلُ إلَى الصِّيَام]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَكُونُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، فِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، يَنْتَقِلُ إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ. وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَتَى عَدِمَهُ فِي مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مُوَقَّتٌ، وَمَا كَانَ وُجُوبُهُ مُوَقَّتًا اُعْتُبِرَتْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ، كَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ، إذَا عَدِمَهُ فِي مَكَانِهِ انْتَقَلَ إلَى التُّرَابِ.
[فَصْل لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَقْتَانِ وَقْتُ جَوَازٍ وَوَقْتُ اسْتِحْبَابٍ]
(٢٦٠٨) فَصْلٌ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَقْتَانِ؛ وَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ اسْتِحْبَابٍ. فَأَمَّا وَقْتُ الثَّلَاثَةِ، فَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ لَهَا أَنْ يَصُومَهَا مَا بَيْنَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَكُونُ آخِرُ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ طَاوُسٌ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرَوَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، أَنْ يَصُومُهُنَّ مَا بَيْنَ إهْلَالِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنْ يَجْعَلَ آخِرَهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي، فِي " الْمُحَرَّرِ ". وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ يَكُونُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا أَحْبَبْنَا لَهُ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ هَاهُنَا، لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِيَصُومَهَا فِي الْحَجِّ، وَإِنْ صَامَ مِنْهَا شَيْئًا قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا وَقْتُ جَوَازِ صَوْمِهَا فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الْحَجِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] . وَلِأَنَّهُ صِيَامٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ، كَسَائِرِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ. وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْمُبْدَلُ، فَلَمْ يَجُزْ الْبَدَلُ، كَقَبْلِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَصُومُهُنَّ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ.
وَلَنَا، أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إحْرَامَيْ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] . فَقِيلَ: مَعْنَاهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، إذْ كَانَ الْحَجُّ