للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى الْكَسْب]

(٢٩٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ سِمْسِمًا وَاسْتَثْنَى الْكَسْبَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ الشَّيْرَجَ فِي الْحَقِيقَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ.» وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ قُطْنًا وَاسْتَثْنَى الْحَبَّ، لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَوْ بَاعَهُ السِّمْسِمَ وَاسْتَثْنَى الشَّيْرَجَ، لَمْ يَجُزْ كَذَلِكَ.

[فَصْلٌ بَاعَهُ بِدِينَارِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ إلَّا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ]

(٢٩٣٩) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا، أَوْ إلَّا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ رَفْعَ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَقَدْرُ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا.

[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ دُونَ الْأَصْلِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةِ مِنْ السَّمَاءِ]

(٢٩٤٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ دُونَ الْأَصْلِ، فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنْ السَّمَاءِ، رَجَعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ ثَلَاثَةٍ: (٢٩٤١) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّ مَا تُهْلِكُهُ الْجَائِحَةُ مِنْ الثِّمَارِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا رُوِيَ، «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي اشْتَرَى ثَمَرَةً مِنْ فُلَانٍ، فَأَذْهَبَتْهَا الْجَائِحَةُ، فَسَأَلْته أَنْ يَضَعَ عَنْهُ، فَتَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَأَلَّى فُلَانٌ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ، فَتَعَلَّقَ بِهَا الضَّمَانُ، كَالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَتْلَفَهُ آدَمِي، كَذَلِكَ لَا يَضْمَنُهُ بِإِتْلَافِ غَيْرِهِ.

وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ، فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.» وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ بِعْت مِنْ أَخِيك ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، لِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: «مَنْ بَاعَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئًا، عَلَى مَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟» .

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ أَعْدُهُ، وَلَوْ كُنْت قَائِلًا بِوَضْعِهَا لَوَضَعْتهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قُلْنَا: الْحَدِيثُ ثَابِتٌ. رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ، مِنْهُمْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " وَأَبُو دَاوُد فِي " سُنَنِهِ "، وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِهِمْ، فَإِنَّ فِعْلَ الْوَاجِبِ خَيْرٌ، فَإِذَا تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ الْوَاجِبَ، فَقَدْ تَأَلَّى أَلَّا يَفْعَلَ خَيْرًا.

فَأَمَّا الْإِجْبَارُ، فَلَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمُدَّعِي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>