للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبْلَاهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَضْمَنُهُمَا مَعًا. وَالثَّانِي، يَجِبُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَجْرِ وَأَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَجْرِ، وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ، وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ.

وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْإِيجَابِ عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا وَجَبَا، كَمَا لَوْ أَقَامَ فِي يَدِهِ مُدَّةً ثُمَّ تَلِفَ، وَالْأُجْرَةُ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَفُوتُ مِنْ الْمَنَافِعِ، لَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَجْزَاءِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ تَفُتْ الْأَجْزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، كَثَوْبٍ غَيْرِ مَخِيطٍ، فَلَا أَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ لَا غَيْرُ.

[فَصْلٌ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ ثُمَّ بَاعَهُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي]

فَصْلٌ: وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، ثُمَّ بَاعَهُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ مِنْ حِينِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلِفَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ قَبْضِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِجَمِيعِهَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَجْرِ مُقَامِهِ فِي يَدِهِ، وَالْبَاقِي عَلَى الْغَاصِبِ. وَالْكَلَامُ فِي رُجُوعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا]

(٣٩٦٤) فَصْلٌ: وَإِذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، أَوْ حَدِيدًا فَعَمِلَهُ سَكَاكِينَ أَوْ أَوَانِيَ، أَوْ خَشَبَةً فَنَجَرَهَا بَابًا أَوْ تَابُوتًا، أَوْ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَيَأْخُذُهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِي زِيَادَتِهِ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا: يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهَا عَنْهَا، إلَّا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بِالصَّدَقَةِ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ قِيمَتَهَا فَيَمْلِكَهَا وَيَتَصَرَّفَ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ، إلَّا أَنَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً.

وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي دَارِهِمْ، فَقَدَّمُوا إلَيْهِ شَاةً مَشْوِيَّةً فَتَنَاوَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، فَجَعَلَ يَلُوكُهَا وَلَا يُسِيغُهَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الشَّاةَ لَتُخْبِرُنِي أَنَّهَا أُخِذَتْ بِغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ. فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَلَبْنَا فِي السُّوقِ فَلَمْ نَجِدْ، فَأَخَذْنَا شَاةً لِبَعْضِ جِيرَانِنَا، وَنَحْنُ نُرْضِيهِمْ مِنْ ثَمَنِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى.»

<<  <  ج: ص:  >  >>