رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ أَصْحَابِهَا انْقَطَعَ عَنْهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَمَرَ بِرَدِّهَا عَلَيْهِمْ.
وَلَنَا، أَنَّ عَيْنَ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَائِمَةٌ، فَلَزِمَ رَدُّهَا إلَيْهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَشْوِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ بِمُلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، فَإِذَا فَعَلَهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، أَوْ ضَرَبَ النُّقْرَةَ دَرَاهِمَ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، فَلَمْ يُزِلْهُ إذَا فَعَلَهُ آدَمِيٌّ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ كَمَا رَوَوْهُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: " وَنَحْنُ نُرْضِيهِمْ مِنْ ثَمَنِهَا ".
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِعَمَلِهِ، سَوَاءٌ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ لَمْ تَزِدْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الْغَاصِبَ يُشَارِكُ الْمَالِكَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِمَنَافِعِهِ، وَمَنَافِعُهُ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْأَعْيَانِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ عَمِلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ لِذَلِكَ عِوَضًا، كَمَا لَوْ أَغْلَى زَيْتًا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، أَوْ بَنَى حَائِطًا لِغَيْرِهِ، أَوْ زَرَعَ حِنْطَةَ إنْسَانٍ فِي أَرْضِهِ، وَسَائِرِ عَمَلِ الْغَاصِبِ.
فَأَمَّا صَبْغُ الثَّوْبِ، فَإِنَّ الصَّبْغَ عَيْنُ مَالٍ، لَا يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ بِجَعْلِهِ مَعَ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ صَبْغِهِ بِجَعْلِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَجَعْلِهِ كَالصِّفَةِ، فَلَأَنْ لَا يَزُولَ مِلْكُ غَيْرِهِ بِعَمَلِهِ فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ احْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ يَرُدُّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، قُلْنَا: الزَّرْعُ مِلْكٌ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ تَزْدَادُ بِهِ قِيمَتُهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ مَالِكُ الْأَرْضِ، احْتَسَبَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مِلْكِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا عَمَلُهُ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ لَاغِيًا، عَلَى أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّمَا تَجِبُ قِيمَةُ الزَّرْعِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
فَأَمَّا إنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ دُونَ الْقِيمَةِ، رَدَّ الْمَوْجُودَ وَقِيمَةَ النَّقْصِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ وَالْقِيمَةُ، ضَمِنَهُمَا مَعًا، كَالزَّيْتِ إذَا غَلَاهُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلٍّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ، مِثْلُ نُقْرَةٍ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا، أَوْ طِينًا جَعَلَهُ لَبَنًا، أَوْ غَزْلًا نَسَجَهُ، أَوْ ثَوْبًا قَصَرَهُ. وَإِنْ جَعَلَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عَيْنِ مَالِهِ، مِثْلُ أَنْ سَمَّرَ الرُّفُوفَ بِمَسَامِيرَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَهُ قَلْعُهَا وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَتْ الرُّفُوفُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ مِنْ الْخَشَبِ الْمَغْصُوبَةِ، أَوْ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ، وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا، إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمَالِكُ، بِذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُ.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَامِيرُ لِلْغَاصِبِ، فَوَهَبَهَا لِلْمَالِكِ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ. وَالْحُكْمُ فِي زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ، كَمَا لَوْ وَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ النَّقْصَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَصَّابًا فَذَبَحَ شَاةً، فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهَا وَأَرْشُ نَقْصِهَا، وَيُغَرِّمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ غَرَّمَ الْغَاصِبَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَصَّابُ الْحَالَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْقَصَّابَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْقَصَّابُ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فَغَرَّمَهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute