عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِإِمْكَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ بَعْدَهُ.
[فَصْل الْحَكَم فِي الْكَافِر يُسْلَم وَالْمَجْنُون يُفِيق فِي الْحَجّ]
(٢٢٥١) فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، حُكْمُ الصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِي جَمِيعِ مَا فَصَّلْنَاهُ، إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا إحْرَامٌ، وَلَوْ أَحْرَمَا لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِبَادَات، وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا حُكْمَ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ.
[فَصْل إحْرَام الْعَبْدِ بِالْحَجِّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ]
(٢٢٥٢) فَصْلٌ: وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِ حَجِّ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ: أَحَدُهَا، فِي حُكْمِ إحْرَامِهِ. الثَّانِي، فِي حُكْمِ نَذْرِهِ لِلْحَجِّ. الثَّالِثُ، فِي حُكْمِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْجِنَايَاتِ عَلَى إحْرَامِهِ. الرَّابِعُ، حُكْمُ إفْسَادِهِ وَفَوَاتِهِ. (٢٢٥٣) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي إحْرَامِهِ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ حُقُوقَ سَيِّدِهِ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ، بِالْتِزَامِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنْ فَعَلَ، انْعَقَدَ إحْرَامُهُ صَحِيحًا، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَصَحَّ مِنْ الْعَبْدِ الدُّخُولُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ عَلَيْهِ تَفْوِيتًا لِحَقِّهِ مِنْ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ سَيِّدَهُ، كَالصَّوْمِ الْمُضِرِّ بِبَدَنِهِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَإِذَا حَلَّلَهُ مِنْهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَحْصَرِ. وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَ عَبْدِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ التَّطَوُّعَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، فَنَظِيرُهُ أَنْ يُحْرِمَ عَبْدُهُ بِإِذْنِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُفَوِّتُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. فَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَالْمُعِيرِ يَرْجِعُ فِي الْعَارِيَّةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، عَقَدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، كَالنِّكَاحِ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَارِيَّةَ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً.
وَلَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ، فَرَهَنَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَلَوْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ فَحُكْمُ مُشْتَرِيهِ فِي تَحْلِيلِهِ حُكْمُ بَائِعِهِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، فَأَشْبَهَ الْأَمَةَ الْمُزَوِّجَةَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِمُضِيِّ الْعَبْدِ فِي حَجِّهِ، لِفَوَاتِ مَنَافِعِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَنَقُولُ: لَهُ تَحْلِيلُهُ. فَلَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ