[فَصْلٌ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْوُلَاةِ وَالْعُمَّالِ وَبَيْن رَعِيَّتِهِمْ]
(٦٦١٥) فَصْلٌ: وَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْن الْوُلَاةِ وَالْعُمَّالِ وَبَيْنَ رَعِيَّتِهِمْ؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ لَرَجُلٍ شَكَا إلَيْهِ عَامِلًا أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ ظُلْمًا: لَئِنْ كُنْت صَادِقًا، لِأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ. وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُقِيدُ مِنْ نَفْسِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ، فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَلْيَرْفَعْهُ إلَيَّ، أَقُصُّهُ مِنْهُ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ، أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: أَيْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَقُصُّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ. وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهَذَانِ حُرَّانِ مُسْلِمَانِ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا إيلَادٌ، فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، كَسَائِرِ الرَّعِيَّةِ.
[فَصْل قَتَلَ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَلِيِّ الدَّمِ]
(٦٦١٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَتَلَ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَلِيِّ الدَّمِ، فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقِصَاصُ، وَلِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي الْأَوَّلِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ: يُقْتَلُ قَاتِلُهُ، وَيَبْطُلُ دَمُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ: لَا قَوَدَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُبَاحَ الدَّمِ، فَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ. وَلَنَا، عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاتِلِهِ، أَنَّهُ مَحَلٌّ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَتْلُهُ، وَلَمْ يُبَحْ لِغَيْرِ وَلِيِّ الدَّمِ قَتْلُهُ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَلَنَا، عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي الْأَوَّلِ، أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا تَعَذَّرَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ مَاتَ، أَوْ عَفَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ، أَوْ حَدَثَ مَانِعٌ.
وَفَارَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ؛ فَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الثَّانِي عَلَى الدِّيَةِ، أَخَذُوهَا وَدَفَعُوهَا إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ، ضُمَّ مَا قَبَضُوا مِنْ الدِّيَةِ إلَى سَائِرِ تَرِكَتِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ الدُّيُونِ فِي تَرِكَتِهِ وَدِيَتِهِ، وَإِنْ أَحَالَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ الثَّانِي وَرَثَةَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي، صَحَّتْ الْحَوَالَةُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ تَجِبَ دِيَةُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ عَلَى قَاتِلِ قَاتِلِهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّ وَرَثَتِهِ، فَكَانَ غَرَامَتُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِي، وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ عَمْدًا، وَجَبْت الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ. بِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: يَسْقُطُ حَقُّ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ. وَتَوْجِيه الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute