كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَإِسْقَاءِ الْمَاءِ، وَالِاصْطِيَادِ، وَالِاحْتِشَاشِ؛ لِأَنَّهَا تَمَلُّكُ مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ، كَالِابْتِيَاعِ وَالِاتِّهَابِ. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إثْبَاتِ الْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَاسْتِيفَائِهِمَا، فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى التَّوْكِيلِ فِيهِمَا، لِأَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ قَدْ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ، أَوْ لَا يُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ.
[فَصْلٌ التَّوْكِيلُ فِي مُطَالَبَةِ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتِهَا وَالْمُحَاكَمَةِ فِيهَا]
(٣٧٣٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي مُطَالَبَةِ الْحُقُوقِ، وَإِثْبَاتِهَا، وَالْمُحَاكَمَةِ فِيهَا، حَاضِرًا كَانَ الْمُوَكِّلُ أَوْ غَائِبًا، صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْخَصْمِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ مُحَاكَمَةِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَمُخَاصَمَتَهُ حَقٌّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ خَصْمِهِ، كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، فَكَانَ لِصَاحِبِهِ الِاسْتِنَابَةُ بِغَيْرِ رِضَاءِ خَصْمِهِ، كَحَالِ غَيْبَتِهِ وَمَرَضِهِ، وَكَدَفْعِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ عَقِيلًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: مَا قُضِيَ لَهُ فَلِي، وَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيَّ. وَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عِنْدَ عُثْمَانَ، وَقَالَ: إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرُهَا، وَإِنِّي لِأَكْرَه أَنْ أَحْضُرَهَا.
قَالَ أَبُو زِيَادٍ: الْقُحَمُ الْمَهَالِكُ. وَهَذِهِ قِصَصٌ انْتَشَرَتْ، لِأَنَّهَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، فَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَقٌّ، أَوْ يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُحْسِنُ الْخُصُومَةَ، أَوْ لَا يُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ. وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ، فَلَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ فِيهِ، كَالشَّهَادَةِ
وَلَنَا، أَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ بِالْقَوْلِ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ، كَالْبَيْعِ، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنَّهَا لَا تُثْبِتُ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِثُبُوتِهِ عَلَى غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ التَّوْكِيلُ فِي الشَّهَادَة]
(٣٧٤٠) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّاهِدِ لِكَوْنِهَا خَبَرًا عَمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَائِبِهِ. فَإِنْ اسْتَنَابَ فِيهَا، كَانَ النَّائِبُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ، لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي مَا سَمِعَهُ مِنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَلَيْسَ بِوَكِيلِ. وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ، فَأَشْبَهَتْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ وَالْحُدُودَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute