الْمَسْحَ لَا يَبْطُلُ بِمُبْطِلَاتِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ. لَكِنْ إنْ زَالَ عُذْرُهُمَا كَمَّلَا فِي بَابِهِمَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَسْحُ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ كَالتَّيَمُّمِ إذَا أَكْمَلَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، لَا يَمْسَحُ بِالْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَى التَّيَمُّمِ
[فَصْل الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ]
(٤٣٨) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَمَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ عُرْوَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، كَالْكُمَّيْنِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي " مُسْلِمٍ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» . قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ خَمْسَةِ وُجُوهٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَائِلٌ فِي مَحَلٍّ وَرَدَ الشَّرْعُ بِمَسْحِهِ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، كَالْخُفَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ، كَالْقَدَمَيْنِ، وَالْآيَةُ لَا تَنْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنٌ لِكَلَامِ اللَّهِ، مُفَسِّرٌ لَهُ، وَقَدْ مَسَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعِمَامَةِ، وَأَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ، أَوْ حَائِلِهِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، أَنَّ الْمَسْحَ فِي الْغَالِبِ لَا يُصِيبُ الرَّأْسَ. وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ، وَهُوَ حَائِلٌ بَيْنَ الْيَدِ وَبَيْنَهُ، فَكَذَلِكَ الْعِمَامَةُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ لَمَسَ عِمَامَتَهُ أَوْ قَبَّلَهَا: قَبْلَ رَأْسَهُ وَلَمَسَهُ. وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ، وَاتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ مَسْحِ حَائِلِهِمَا.
[فَصْل شُرُوطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ]
(٤٣٩) فَصْلٌ: وَمِنْ شُرُوطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، أَنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ، كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ، وَشِبْهِهِمَا مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، بِخِلَافِ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ فِي الْخُفِّ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَشْفَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute