للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَخَذَ مِنْهُ ثَلَاثِينَ، وَتَرَكَ لَهُ خَمْسَةً.

وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] . فَقَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ.

وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ إيتَاؤُهُ مُوَاسَاةً بِالشَّرْعِ، فَكَانَ مُقَدَّرًا، كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ حِكْمَةَ إيجَابِهِ الرِّفْقُ بِالْمُكَاتَبِ، وَإِعَانَتُهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِالْيَسِيرِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاجِبَ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: ٣٣] . وَإِنْ وَرَدَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ، فَإِنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُهُ، وَتُبَيِّنُ قَدْرَهُ، كَالزَّكَاةِ.

[فَصْلٌ إعْطَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ]

(٨٧١٠) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي جِنْسِهِ، إنْ قَبَضَ مَالَ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ مِنْهُ، جَازَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِيتَاءِ مِنْهُ. وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَسَّرُوا الْإِيتَاءَ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّفْعِ، وَأَعْوَنُ عَلَى حُصُولِ الْعِتْقِ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِيتَاءِ، وَتَحْصُلُ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ التَّنْبِيهِ. وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِهِ، جَازَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُكَاتَبَ قَبُولُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِيتَاءِ مِنْهُ.

وَلَنَا، أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الْإِيتَاءِ مِنْهُ، وَبَيْنَ الْإِيتَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَغَيْرُ الْمَنْصُوصِ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ أُلْحِقَ بِهِ، وَكَذَلِكَ جَازَ الْحَطُّ، وَلَيْسَ هُوَ بِإِيتَاءٍ، لِمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. وَإِنْ آتَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ، فَيُعْطِيهِ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتِهِ مِنْهُ وَلَا مِنْ جِنْسِهِ. وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ بِهِ يَحْصُلُ بِهِ.

[فَصْلٌ وَقْتُ جَوَازِ إعْطَاءِ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ]

(٨٧١١) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي وَقْتِ جَوَازِهِ، وَهُوَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣] . وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَكُلَّمَا عَجَّلَهُ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَنْفَعَ، كَالزَّكَاةِ.

[فَصْلٌ وَقْتُ وُجُوبِ إعْطَاءِ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ]

(٨٧١٢) الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ، وَهُوَ حِينَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَائِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي آتَاهُ، وَإِذَا آتَى الْمَالَ عَتَقَ، فَيَجِبُ إيتَاؤُهُ حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكِتَابَةُ عَلَى نَجْمَيْنِ، وَالْإِيتَاءُ مِنْ الثَّانِي. فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إيتَائِهِ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ، فَهُوَ كَسَائِرِ دُيُونِهِ. وَإِنْ ضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، تَحَاصُّوا فِي التَّرِكَةِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، وَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ عُجِّلَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا]

(٨٧١٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ عُجِّلَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا، لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ، وَعَتَقَ مِنْ وَقْتِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>