إنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بِالْإِيقَافِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْوَارِثُ. قَالَ: فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ وَهُوَ ذَا قَدْ وَقَفَهَا عَلَى وَرَثَتِهِ، وَحَبَسَ الْأَصْلَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَهُوَ كَعِتْقِ الْوَارِثِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِهِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَالْهِبَاتِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ، لَا تَجُوزُ بِالْمَنْفَعَةِ، كَالْأَجْنَبِيِّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ
وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخُصَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ بِوَقْفِهِ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ. وَأَمَّا جَعْلُ الْوِلَايَةِ لِحَفْصَةَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَيْهَا، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَارِدًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَكَوْنُهُ انْتِفَاعًا بِالْغَلَّةِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّخْصِيصِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَرَثَتِهِ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ، لَمْ يَجُزْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، عَلَى أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، لِيَكُونَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِ عُمَرَ، وَعَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ وَقَفَ دَارِهِ بَيْنَ ابْنه وَبِنْتِهِ نِصْفَيْنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ]
(٤٤٠٩) فَصْلٌ: فَإِنْ وَقَفَ دَارِهِ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، بَيْنَ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نِصْفَيْنِ، فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَيَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَخْصِيصُ الْبِنْتِ بِوَقْفِ الدَّارِ كُلِّهَا، فَبِنِصْفِهَا أَوْلَى. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي نَصَرْنَاهَا، إنْ أَجَازَ الِابْنُ ذَلِكَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ الْوَقْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى نَصِيبِ الْبِنْتِ، وَهُوَ السُّدُسُ، وَيَرْجِعُ إلَى الِابْنِ مِلْكًا، فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَقْفًا، وَالسُّدُسُ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَالثُّلُثُ لِلْبِنْتِ جَمِيعُهُ وَقْفًا
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْوَقْفُ فِي نِصْفِ مَا وَقَفَ عَلَى الْبِنْتِ، وَهُوَ الرُّبْعُ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّارِ وَقْفًا، نِصْفُهَا لِلِابْنِ، وَرُبْعُهَا لِلْبِنْتِ، وَالرُّبْعُ الَّذِي بَطَلَ الْوَقْفُ فِيهِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، لِلِابْنِ ثُلُثَاهُ، وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُ، وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِلِابْنِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَقْفًا وَسَهْمَانِ مِلْكًا، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَقْفًا وَسَهْمٌ مِلْكًا. وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ نِصْفَيْنِ، وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَرَدَّ الِابْنُ، صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى الِابْنِ فِي نِصْفِهَا، وَعَلَى الْمَرْأَةِ فِي ثُمْنِهَا، وَلِلِابْنِ إبْطَالُ الْوَقْفِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانِهَا، فَتَرْجِعُ إلَيْهِ مِلْكًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الِابْنِ فِي نِصْفِهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ نَصِيبِهِ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بَاقِي نَصِيبِهِ مِلْكًا، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ الثُّمْنِ الَّذِي لِلْمَرْأَةِ، وَبَاقِيه يَكُونُ لَهَا مِلْكًا، فَاضْرِبْ سَبْعَةً فِي ثَمَانِيَةٍ، تَكُونُ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، لِلِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَقْفًا، وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِلْكًا، وَلِلْمَرْأَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَقْفًا، وَثَلَاثَةٌ مِلْكًا. وَهَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الدَّارُ جَمِيعَ مِلْكِهِ، فَوَقَفَهَا كُلَّهَا، فَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ.
الْحُكْمُ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الزَّائِدِ عَنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute