يَعْتِقُهَا عَلَى الْمَكَانِ، فَيَتَزَوَّجهَا، فَيَطَؤُهَا، يَطَؤُهَا رَجُلٌ الْيَوْمَ وَيَطَؤُهَا الْآخَرُ غَدًا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا كَيْفَ يَصْنَعُ؟ هَذَا نَقْضُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ الْحَامِلِ حَتَّى تَحِيضَ» . وَهَذَا لَا يَدْرِي أَهِيَ حَامِلٌ أَمْ لَا. مَا أَسْمَجَ هَذَا، قِيلَ لَهُ: إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ هَذَا: فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَذَا، وَقَبَّحَ مَنْ يَقُولُهُ. وَفِيمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ كِفَايَةٌ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا لِغَيْرِهِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، إذَا لَمْ يَعْتِقْهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ، كَالْمُعْتَدَّةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَاةُ مِنْ رَجُلٍ يَطَؤُهَا، أَوْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ اسْتَبْرَأَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا، أَوْ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَجْبُوبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَطَؤُهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا، سَوَاءٌ أَعْتَقَهَا أَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا أَعْتَقَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا، وَقَدْ كَانَ لِسَيِّدِهَا تَزْوِيجُهَا قَبْلَ بَيْعِهَا، فَجَازَ ذَلِكَ بَعْدَ بَيْعِهَا، وَلِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ عَلَى الْبَائِعِ بِإِعْتَاقِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ نِكَاحُهَا، فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي.
وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . وَلِأَنَّهَا أَمَةٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَحَرُمَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا وَالتَّزَوُّجُ بِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا. فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا، فَأُبِيحَ لَهَا النِّكَاحُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا الْبَائِعُ، وَفَارَقَ الْمَوْطُوءَةَ؛ فَإِنَّهَا فِرَاشٌ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا إذَا عَتَقَتْ، فَحَرُمَ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، كَالْمُعْتَدَّةِ، وَفَارَقَ مَا إذَا أَرَادَ سَيِّدُهَا نِكَاحَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، كَالْمُعْتَدَّةِ، وَلِأَنَّ هَذَا يُتَّخَذُ حِيلَةً عَلَى إبْطَالِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَمُنِعَ مِنْهُ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا لِغَيْرِهِ.
[فَصْلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا]
(٦٣٧٧) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَاسْتَبْرَأَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا فِرَاشًا بِاسْتِبْرَائِهِ لَهَا. وَإِنْ بَاعَهَا، فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ وَطْئِهَا، لَمْ تَحْتَجْ إلَى اسْتِبْرَاء لِذَلِكَ. وَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فَأَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ وَطْئِهَا وَاسْتِبْرَائِهَا، فَعَلَيْهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا. وَإِنْ مَضَى بَعْضُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، لَزِمَهَا إتْمَامُهُ بَعْدَ عِتْقِهَا، وَلَا يَنْقَطِعُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لِلْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِإِعْتَاقِهِ.
[فَصْلٌ كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَوَطِئَاهَا]
(٦٣٧٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَوَطِئَاهَا، لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ تُعْلَمُ بِاسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute