الْقَاضِي أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ وَأَكْلَهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ.
وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، أُبِيحَ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ مُبَاحٌ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ وَجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا، لَمْ يُبَحْ أَكْلُهُ. فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يُبَاحُ. وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد: أَبَاحَ الشَّافِعِيُّ أَكْلَ لُحُومِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ، كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» . وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ لَهُ أَكْلَهُ. وَقَالَ: لَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ اللَّحْمِ لَا مِنْ الْعَظْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ، لَا فِي مِقْدَارِهَا؛ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَالْقِصَاصِ وَوُجُوبِ صِيَانَةِ الْحَيِّ بِمَا لَا يَجِبُ بِهِ صِيَانَةُ الْمَيِّتِ.
[مَسْأَلَةٌ لَمْ يُصِبْ إلَّا طَعَامًا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُهُ الْمُضْطَرُّ]
(٧٨١٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُصِبْ إلَّا طَعَامًا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُهُ، أَخَذَهُ قَهْرًا لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَعْطَاهُ ثَمَنَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصَاحِبِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ) .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ، فَلَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامًا لِغَيْرِهِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ، وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ حَالِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَمَاتَ، لَزِمَهُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ، لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْيَاءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ، كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي إنْجَائِهِ مِنْ الْغَرَقِ وَالْحَرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ مَالِكِهِ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُهُ، كَغَيْرِ مَالِهِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي ذَلِكَ إلَى قِتَالٍ، فَلَهُ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَعَلَى قَاتِلِهِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ آلَ أَخْذُهُ إلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ، فَهُوَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ، فَأَشْبَهَ الصَّائِلَ، إلَّا أَنْ يُمْكِنَ أَخْذُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِرْضَاءٍ، فَلَيْسَ لَهُ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهِ، لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ دُونَهَا، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ قِتَالَهُ.
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِدُونِهَا. وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَمَنُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِقِيمَتِهِ، وَيَلْزَمُهُ عِوَضُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخَذَهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ.
وَلَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ مِنْ مَالِ أَخِيهِ، إلَّا مَا يُبَاحُ مِنْ الْمَيْتَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِأَحَدِنَا مِنْ مَالِ أَخِيهِ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ؟ قَالَ: «يَأْكُلُ وَلَا يَحْمِلُ، وَيَشْرَبُ وَلَا يَحْمِلُ.»
[فَصْلٌ اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ]
(٧٨٢٠) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ، وَأَصَابَتْ الضَّرُورَةُ خَلْقًا كَثِيرًا، أَوْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ