أَوْ يَنْصِبَ الْحَاكِمُ مَنْ يُعَرِّفُهَا، وَهَا هُنَا الْمَقْصُودُ حِفْظُ الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدَّعِي رِقَّهُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ، أَوْ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، وَلِأَنَّ اللُّقَطَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى حِفْظِهَا وَالِاحْتِيَاطِ عَلَيْهَا عَامًا وَاحِدًا، وَهَذَا يُحْتَاجُ إلَى الِاحْتِيَاطِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ زَمَانِهِ
وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ بِالْتِقَاطِهِ إيَّاهُ، وَسَبْقِهِ إلَيْهِ، وَأَمْكَنَ حِفْظُ اللَّقِيطِ فِي يَدَيْهِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَضَمِّ أَمِينٍ يُشَارِفُهُ إلَيْهِ، وَيُشِيعُ أَمْرَهُ، فَيُعْرَفُ أَنَّهُ لَقِيطٌ، فَيُحْفَظُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زَوَالِ وِلَايَتِهِ. جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، كَمَا فِي اللُّقَطَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْجِيحِ لِلُّقَطَةِ فَيُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِأَنَّ اللَّقِيطَ ظَاهِرٌ مَكْشُوفٌ لَا تَخْفَى الْخِيَانَةُ فِيهِ، وَاللُّقَطَةُ مَسْتُورَةٌ خَفِيَّةٌ تَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الْخِيَانَةُ، وَلَا يُعْلَمُ بِهَا، وَلِأَنَّ اللُّقَطَةَ يُمْكِنُ أَخْذُ بَعْضِهَا وَتَنْقِيصُهَا وَإِبْدَالُهَا، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ
وَلِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الْخِيَانَةِ، وَالنُّفُوسُ إلَى تَنَاوُلِهِ وَأَخْذِهِ دَاعِيَةٌ، بِخِلَافِ اللَّقِيطِ. فَعَلَى هَذَا، مَتَى أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ السَّفَرَ بِاللَّقِيطِ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعِدُهُ مِمَّنْ عَرَفَ؛ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ رِقَّهُ وَيَبِيعَهُ.
[فَصْلٌ الْتَقَطَ اللَّقِيطَ مَسْتُورُ الْحَالِ]
(٤٥٦٥) فَصْلٌ: وَإِذَا الْتَقَطَ اللَّقِيطَ مَنْ هُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ، لَمْ تُعْرَفُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ وَلَا الْخِيَانَةِ، أُقِرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَدْلِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
فَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِلُقَطَتِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَمَانَتَهُ، فَلَمْ تُؤْمَنْ الْخِيَانَةُ مِنْهُ
وَالثَّانِي يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ مُشْرِفٍ يُضَمُّ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْعَدْلَ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّتْرُ وَالصِّيَانَةُ. فَأَمَّا مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ، وَظَهَرَتْ أَمَانَتُهُ، فَيُقَرُّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ فِي سَفَرِهِ وَحَضَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِغَيْرِ النَّقْلَةِ.
[فَصْلٌ سَفَرِ الْأَمِينِ بِاللَّقِيطِ]
(٤٥٦٦) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ سَفَرُ الْأَمِينِ بِاللَّقِيطِ إلَى مَكَان يُقِيمُ بِهِ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ الْتَقَطَهُ مِنْ الْحَضَرِ، فَأَرَادَ النَّقْلَةَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا، أَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَأَرْفَهُ لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي الْحَضَرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهِ، فَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ، وَاعْتِرَافِهِمْ بِهِ. وَإِنْ أَرَادَ النَّقْلَةَ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ مِنْ الْحَضَرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute