وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ إلَّا رِوَايَةً عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَحَدِيثُهُمْ إنَّمَا هُوَ: " وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ ". لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَيَّامِ، وَالتَّكْبِيرُ أَعَمُّ مِنْ الذَّبْحِ، وَكَذَلِكَ الْإِفْطَارُ، بِدَلِيلِ أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِيهِ. الثَّالِثُ، فِي زَمَنِ الذَّبْحِ، وَهُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الذَّبْحَ يَجُوزُ لَيْلًا.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابه؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ زَمَنٌ يَصِحُّ فِيهِ الرَّمْيُ، فَأَشْبَهَ النَّهَارَ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ الذَّبْحِ بِاللَّيْلِ. وَلِأَنَّهُ لَيْلُ يَوْمٍ يَجُوزُ الذَّبْحُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلِأَنَّ اللَّيْلَ تَتَعَذَّرُ فِيهِ تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ فِي الْغَالِبِ، فَلَا يُفَرَّقُ طَرِيًّا، فَيَفُوتُ بَعْضُ الْمَقْصُودِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: يُكْرَهُ الذَّبْحُ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ ذَبَحَ لَيْلًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَذَبَحَهَا، كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ، وَلَمْ تَكُنْ أُضْحِيَّةً، فَإِنْ فَرَّقَهَا، حَصَلَتْ الْقُرْبَةُ بِتَفْرِيقِهَا، دُونَ ذَبْحِهَا.
[فَصْلٌ فَاتَ وَقْتُ الذَّبْحِ الْأُضْحِيَّةَ]
(٧٨٨٤) فَصْلٌ: إذَا فَاتَ وَقْتُ الذَّبْحِ، ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً، وَصَنَعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَذْبُوحِ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي التَّطَوُّعِ، فَإِنْ فَرَّقَ لَحْمَهَا كَانَتْ الْقُرْبَةُ بِذَلِكَ دُونَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهَا شَاةُ لَحْمٍ، وَلَيْسَتْ أُضْحِيَّةً، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسَلِّمُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَا يَذْبَحُهَا، فَإِنْ ذَبَحَهَا فَرَّقَ لَحْمَهَا، وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَهَا الذَّبْحُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ سَقَطَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيْ الْأُضْحِيَّةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَهَا فِي الْأَيَّامِ، ثُمَّ خَرَجَتْ قَبْلَ تَفْرِيقِهَا، فَرَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَيُفَارِقُ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ، وَلِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، بِخِلَافِ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ وَجَبَتْ الْأُضْحِيَّةِ بِإِيجَابِهِ لَهَا فَضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ]
(٧٨٨٥) فَصْلٌ: إذَا وَجَبَتْ الْأُضْحِيَّةُ بِإِيجَابِهِ لَهَا، فَضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ ذَبَحَهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِي زَمَنِ الذَّبْحِ، أَوْ فِيمَا بَعْدُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute