وَلَنَا، أَنَّهَا عِبَادَةٌ وَقْتُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْمِصْرِ بَعْدَ إشْرَاقِ الشَّمْسِ، فَلَا تَتَقَدَّمُ وَقْتَهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ فِي الْمِصْرِ، لَمْ يَجْزِ الذَّبْحُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْقُطُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ صَلَّى، وَسَوَاءٌ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ، لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَأَمَّا الذَّبْحُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَهُوَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ دَخَلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِنْ أَثْنَائِهِ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاةٌ وَلَا غَيْرُهَا. وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمُصَلَّى، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَمَتَى صَلَّوْا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ جَازَ الذَّبْحُ؛ لِوُجُودِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَجْزَأَ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الْمَنْعَ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.
الثَّانِي، آخِرُ الْوَقْتِ، وَآخِرُهُ آخِرُ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةً؛ يَوْمُ الْعِيدِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ. قَالَ أَحْمَدُ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَسًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» . وَلِأَنَّهَا أَيَّامُ تَكْبِيرٍ وَإِفْطَارٍ، فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلنَّحْرِ كَالْأَوَّلَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ عِيدٍ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، كَأَدَاءِ الْفِطْرِ. يَوْمَ الْفِطْرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، كَقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَقَوْلِنَا فِي أَهْلِ مِنًى، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَرِي أُضْحِيَّةً، فَيُسَمِّنُهَا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذِي الْحِجَّةِ، فَيُضَحِّيَ بِهَا. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ. وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ عَجِيبٌ. وَقَالَ: أَيَّامُ الْأَضْحَى الَّتِي أُجْمِعَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ.
وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ ادِّخَارُ الْأُضْحِيَّةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ لَا يَجِبُ الرَّمْيُ فِيهِ، فَلَمْ تَجُزْ التَّضْحِيَةُ فِيهِ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute