[مَسْأَلَة لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ جُنُبٌ وَلَا حَائِضٌ وَلَا نُفَسَاءُ]
(١٩٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ جُنُبٌ وَلَا حَائِضٌ وَلَا نُفَسَاءُ رُوِيت الْكَرَاهِيَةُ لِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَقْرَأُ إلَّا آيَةَ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: ١٣] ، {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا} [المؤمنون: ٢٩] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وِرْدَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، أَلَيْسَ هُوَ فِي جَوْفِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ لِلْحَائِضِ الْقِرَاءَةُ دُونَ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَهَا تَطُولُ، فَإِنْ مَنَعْنَاهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ نَسِيَتْ.
وَلَنَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ، أَوْ قَالَ: يَحْجِزُهُ، عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، لَيْسَ الْجَنَابَةُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: يَرْوِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَ، الْبُخَارِيُّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَقَالَ: إنَّمَا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْجُنُبِ فَفِي الْحَائِضِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا آكَدُ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْوَطْءَ، وَمَنَعَ الصِّيَامَ، وَأَسْقَطَ الصَّلَاةَ، وَسَاوَاهَا فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا.
(١٩٤) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةُ آيَةٍ. فَأَمَّا بَعْضُ آيَةٍ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ عَنْ غَيْرِهِ كَالتَّسْمِيَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسَائِرِ الذِّكْرِ، فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْآنُ، فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لَهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَحْتَاجُونَ إلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ التَّحَرُّزُ مِنْ هَذَا.
وَإِنْ قَصَدُوا بِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ كَانَ مَا قَرَءُوهُ شَيْئًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُنُبِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا حَرْفًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي النَّهْيِ؛ وَلِأَنَّهُ قُرْآنٌ، فَمُنِعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ، كَالْآيَةِ. وَالثَّانِيَةُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْجَازُ، وَلَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ، وَيَجُوزُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْآنُ، وَكَذَلِكَ إذَا قُصِدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute