للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثَةُ، بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ نَسِيئَةً، وَأَخَذَ بِهَا رَهْنًا، فَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِمَالِهِ، وَبَيْعُ النَّقْدِ أَحْوَطُ لَهُ

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَقَدْ أَمَرْنَاهُ بِالتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الرِّبْحِ، وَهَذَا مِنْ جِهَاته، وَالتَّغْرِيرُ يَزُولُ بِالرَّهْنِ

(٣٣٢٨) فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمُكَاتَبِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ حُكْمُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا فِي يَدَيْهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ الْحَظُّ، فَأَمَّا الْمَأْذُونُ، فَإِنْ دَفَعَ لَهُ سَيِّدُهُ مَالًا يَتَّجِرُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ غَرَّرَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ.

[فَصْلٌ كَانَ مَالُ الْيَتِيمِ رَهْنًا فَاسْتَعَادَهُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ]

(٣٣٢٩) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ مَالُ الْيَتِيمِ رَهْنًا، فَاسْتَعَادَهُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ، جَازَ. وَإِنْ اسْتَعَادَهُ لِنَفْسِهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ. وَإِنْ فَكَّهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَأَطْلَقَ، فَهُوَ لِلْيَتِيمِ. وَإِنْ فَكَّهُ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَأَطْلَقَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَعَادَهُ لِنَفْسِهِ. فَإِنْ قَالَ: اسْتَعَدْته لِلْيَتِيمِ. قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ وَإِنْ قَالَ اسْتَعَدْته لِلْيَتِيمِ بَعْدَ هَلَاكِهِ أَوْ هَلَاكِ بَعْضِهِ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، لِأَنَّنَا حَكَمْنَا بِالضَّمَانِ ظَاهِرًا، فَلَا يَزُولُ بِقَوْلِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ؛ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا، كَمَا قَبْلَ التَّلَفِ.

[فَصْلٌ رَهْنِ الْوَصِيّ أَوْ الْحَاكِم مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَلَدِهِ]

(٣٣٣٠) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ مُكَاتَبِهِ، أَوْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةً لَهُ عَلَيْهِمَا.

[فَصْلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَرَهَنَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ]

(٣٣٣١) فَصْلٌ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ. فَرَهَنَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَ الْغَرِيمِ، أَوْ غَيْرِهِ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي رَهْنِهَا، فَضَمِنَ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ إلَيْهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ.

[مَسْأَلَةٌ رَهَنَ شَيْئًا بِمَالِ فَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ]

(٣٣٣٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا قَضَاهُ بَعْضَ الْحَقِّ، كَانَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ عَلَى مَا بَقِيَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْوَثِيقَةِ يَتَعَلَّقُ بِالرَّهْنِ جَمِيعِهِ، فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الْحَقِّ، وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ مَنْ رَهَنَ شَيْئًا بِمَالِ، فَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ، وَأَرَادَ إخْرَاجَ بَعْضِ الرَّهْنِ، أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ آخِرَ حَقِّهِ، أَوْ يُبْرِئَهُ مِنْ ذَلِكَ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِحَقِّ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِزَوَالِ جَمِيعِهِ، كَالضَّمَانِ وَالشَّهَادَةِ.

[مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ]

(٣٣٣٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا، وَيُؤْخَذُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِقِيمَةِ الْمُعْتَقِ، فَيَكُونُ رَهْنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>