لَك حَيَاتَك، فَإِنْ مِتَّ رَجَعَتْ إلَيَّ
فَتَكُونُ كَالْعُمْرَى سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُ زَادَ شَرْطَهَا لِوَرَثَةِ الْمُرْقَبِ، إنْ مَاتَ الْمُرْقَبُ قَبْلَهُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ تَأْكِيدَهَا عَلَى الْعُمْرَى.
(٤٤٨٨) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْعُمْرَى فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالنَّبَاتِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ هِبَةٍ، فَصَحَّتْ فِي ذَلِكَ، كَسَائِرِ الْهِبَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرَّجُلِ يَعْمُرُ الْجَارِيَةَ: فَلَا أَرَى لَهُ وَطْأَهَا. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يَتَوَقَّفْ أَحْمَدُ عَنْ وَطْءِ الْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا، لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَرَ لَهُ وَطْأَهَا لِهَذَا، وَلَوْ وَطِئَهَا كَانَ جَائِزًا.
(٤٤٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ وَقَّتَ الْهِبَةَ إلَى غَيْرِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، فَقَالَ: وَهَبْتُك هَذَا لِسَنَةٍ، أَوْ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْحَاجُّ، أَوْ إلَى أَنْ يَبْلُغَ وَلَدِي، أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ فُلَانٍ. وَنَحْوَ هَذَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ، فَلَمْ تَصِحَّ مُؤَقَّتَةً، كَالْبَيْعِ، وَتُفَارِقُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عُمُرَهُ، فَإِذَا مَلَكَهُ عُمُرَهُ فَقَدْ وَقَّتَهُ بِمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمُطْلَقِ. وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَانَ شَرْطًا عَلَى غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
[مَسْأَلَة قَالَ سُكْنَاهَا لَك عُمُرَك]
(٤٤٩٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: سُكْنَاهَا لَك عُمُرَك. كَانَ لَهُ أَخْذُهَا أَيَّ وَقْتٍ أَحَبَّ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَيْسَتْ كَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى) أَمَّا إذَا قَالَ: سُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ لَك عُمُرَك، أَوْ اُسْكُنْهَا عُمُرَك. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْمَنَافِعُ إنَّمَا تُسْتَوْفَى بِمُضِيِّ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلَا تَلْزَمُ إلَّا فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْهَا وَاسْتَوْفَاهُ بِالسُّكْنَى. وَلِلْمُسْكِنِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ
وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْفَتْوَى، مِنْهُمْ؛ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ حَفْصَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ: هِيَ كَالْعُمْرَى، تَكُونُ لَهُ وَلِعَقِبِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعُمْرَى، فَيَثْبُتُ فِيهَا مِثْلُ حُكْمِهَا. وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ
أَنَّهُ إذَا قَالَ: هِيَ لَك، اُسْكُنْ حَتَّى تَمُوتَ. فَهِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ. وَإِنْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ اُسْكُنْهَا حَتَّى تَمُوتَ. فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هِيَ لَك. فَقَدْ جَعَلَ لَهُ رَقَبَتَهَا، فَتَكُونُ عُمْرَى. فَإِذَا قَالَ: اُسْكُنْ دَارِي هَذِهِ. فَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ نَفْعَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا، فَتَكُونُ عَارِيَّةً. وَلَنَا أَنَّ هَذَا إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَقَعْ لَازِمًا كَالْعَارِيَّةِ. وَفَارَقَ الْعُمْرَى فَإِنَّهَا هِبَةٌ لِلرَّقَبَةِ. فَأَمَّا إذَا قَالَ: هَذِهِ لَك، اُسْكُنْهَا حَتَّى تَمُوتَ. فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ لَك سُكْنَاهَا حَتَّى تَمُوتَ. وَتَفْسِيرُهَا بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute