أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رُقْبَى، فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ هِيَ لِلْآخِرِ مِنِّي وَمِنْك مَوْتًا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «لَا عُمْرَى، وَلَا رُقْبَى، فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا، أَوْ أُرْقِبَهُ، فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ»
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إبْطَالِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَطُ فِيهَا عَوْدُهَا إلَى الْمُرْقِبِ إنْ مَاتَ الْآخَرُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُهُمْ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، فَمِنْ قَوْلِ جَابِرٍ نَفْسِهِ، وَأَمَّا نَقْلُ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَلِعَقِبِهِ» . وَلِأَنَّا لَوْ أَجَزْنَا هَذَا الشَّرْطَ، كَانَتْ هِبَةً مُؤَقَّتَةً، وَالْهِبَةُ لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّأْقِيتُ، وَلَمْ يُفْسِدْهَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمُعْمَرِ، وَإِنَّمَا شَرْطُ ذَلِكَ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مَعَ الْمَعْقُودِ مَعَهُ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَفَصَّلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَقَالَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَضَى فِي مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ لَهُ بَتْلَةً، لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ.
(٤٤٨٧) فَصْلٌ: وَالرُّقْبَى هِيَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا لَك عُمُرَك، فَإِنْ مِتَّ قَبْلِي رَجَعَ إلَيَّ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلَك فَهُوَ لَك
وَمَعْنَاهُ هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا. وَكَذَلِكَ فَسَّرَهَا مُجَاهِدٌ. سُمِّيَتْ رُقْبَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك حَيَاتَك، فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِفُلَانٍ، أَوْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَيَّ. وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَنَّهَا كَالْعُمْرَى إذَا شَرَطَ عَوْدَهَا إلَى الْمُعْمَرِ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ. وَقَالَ طَاوُسٌ: مَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى سَبِيل الْمِيرَاثِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الرُّقْبَى وَصِيَّةٌ. يَعْنِي أَنَّ مَعْنَاهَا إذَا مِتُّ فَهَذَا لَك. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: الرُّقْبَى بَاطِلَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى، وَأَبْطَلَ الرُّقْبَى. وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهَا لِلْآخِرِ مِنَّا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مُعَلَّقٌ بِخَطَرٍ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ. وَلَنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَحَدِيثُهُمْ لَا نَعْرِفُهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرُوهُ، بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute