للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَالْعِبَادَاتُ. وَلِأَنَّهُ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا. فَأَشْبَهَ غَيْرَ الصَّيْدِ. (٧٧١٣) .

مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُذَكِّيه بِهِ. أَشْلَى الصَّائِدُ لَهُ عَلَيْهِ. حَتَّى يَقْتُلَهُ. فَيُؤْكَلَ) يَعْنِي: أَغْرَى الْكَلْبَ بِهِ. وَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى أَشْلَى فِي الْعَرَبِيَّةِ: دَعَا. إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى أَغْرَاهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ دَعَاهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ؛ لِأَنَّ إرْسَالَهُ عَلَى الصَّيْدِ يَتَضَمَّنُ دُعَاءَهُ إلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَإِبْرَاهِيمَ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنِّي لَأَقْشَعِرُّ مِنْ هَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يُبَحْ بِقَتْلِ الْجَارِحِ لَهُ. كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. وَكَمَا لَوْ أَخَذَهُ سَلِيمًا. وَوَجْهُ الْأُولَى. أَنَّهُ صَيْدٌ قَتَلَهُ الْجَارِحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ ذَكَاتِهِ. فَأُبِيحَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا. وَلِأَنَّهَا حَالٌ تَتَعَذَّرُ فِيهَا الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ غَالِبًا. فَجَازَ أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ. كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ.

وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي. أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا يَتْرُكُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ تَعَذَّرَتْ تَذْكِيَتُهُ. فَأُبِيحَ بِمَوْتِهِ مِنْ عَقْرِ الصَّائِدِ لَهُ. كَاَلَّذِي تَعَذَّرَتْ تَذْكِيَتُهُ لِقِلَّةِ لبته. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ التَّذْكِيَةِ إذَا كَانَ مَعَهُ آلَةُ الذَّكَاةِ. فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آلَةٌ. كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَى تَذْكِيَتِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُخَافُ مَوْتُهُ إنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْحَيَوَانُ أَوْ يُذَكَّى. فَإِنْ كَانَ بِهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مَنْزِلَهُ. فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالذَّكَاةِ. لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَذْكِيَتِهِ.

[مَسْأَلَةٌ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَضَافَ مَعَهُ غَيْرَهُ]

(٧٧١٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ، فَأَضَافَ مَعَهُ غَيْرَهُ، لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ الْحَيَاةَ، فَيُذَكِّيَ) مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُرْسِلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَيَجِدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا، وَيَجِدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ، وَلَا يَدْرِي هَلْ وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ صَيْدِهِ أَوْ لَا، وَلَا يَعْلَمُ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ؟ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا جَمِيعًا قَتَلَاهُ، أَوْ أَنَّ قَاتِلَهُ الْكَلْبُ الْمَجْهُولُ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ، إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ حَيًّا فَيُذَكِّيَهُ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا.

وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ» . وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا آخَرَ، فَخَشِيت أَنْ يَكُونَ أَخَذَ مَعَهُ، وَقَدْ قَتَلَهُ، فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّك إنَّمَا ذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِك» . وَفِي لَفْظٍ: " فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ،.

وَلِأَنَّهُ شَكَّ فِي الِاصْطِيَادِ الْمُبِيحِ، فَوَجَبَ إبْقَاءُ حُكْمِ التَّحْرِيمِ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ كَلْبَهُ الَّذِي قَتَلَ وَحْدَهُ، أَوْ أَنَّ الْكَلْبَ الْآخَرَ مِمَّا يُبَاحُ صَيْدُهُ، أُبِيحَ؛ بِدَلَالَةِ تَعْلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>