بَقَائِهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، لِكَوْنِهَا فِيهَا شُبْهَةٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا، أَوْ يُحِبُّ وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، وَلَا يَبْطُلُ بِتَحْرِيمِهَا، وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُ غَرَضِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ عَيَّنَ الْمُوَكِّل لِلْوَكِيلِ الشِّرَاءَ بِنَقْدِ أَوْ حَالًا]
(٣٧٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الشِّرَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ حَالًا، لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي النَّسِيئَةِ وَالْبَيْعِ بِأَيِّ نَقْدٍ شَاءَ، جَازَ. وَإِنْ أَطْلَقَ، لَمْ يَبِعْ إلَّا حَالًّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحُلُولُ، وَإِطْلَاقُ النَّقْدِ يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَأَطْلَقَ، حُمِلَ عَلَى الْحُلُولِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ، بَاعَ بِأَغْلَبِهِمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا، بَاعَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَهُ الْبَيْعُ نَسَاءً؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَأَشْبَهَ الْحَالَ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْمُضَارِبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا. وَالْأَوَّلُ؛ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْبَيْعَ حُمِلَ عَلَى الْحُلُولِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ تَسَاوِي الْعَادَةِ فِيهِمَا، فَإِنَّ بَيْعَ الْحَالِ أَكْثَرُ، وَيُفَارِقُ الْمُضَارَبَةَ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ، لَا دَفْعُ الْحَاجَةِ بِالثَّمَنِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِي الْوَكَالَةِ دَفْعَ حَاجَةٍ نَاجِزَةٍ تَفُوتُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي، أَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فَيَعُودُ ضَرَرُ التَّأْخِيرِ فِي التَّقَاضِي عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ، فَلَا يَرْضَى بِهِ الْمُوَكِّلُ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي تَوَى الثَّمَنِ عَلَى الْمُضَارِبِ، لِأَنَّهُ يَحْسِبُ مِنْ الرِّبْحِ، لِكَوْنِ الرِّبْحِ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ، وَهَا هُنَا يَعُودُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَانْقَطَعَ الْإِلْحَاقُ.
[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهَا نَقْدًا بِدُونِ ثَمَنِهَا نَسِيئَةً أَوْ بِدُونِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ]
(٣٧٩٣) فَصْلٌ: إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ نَسِيئَةً، فَبَاعَهَا نَقْدًا بِدُونِ ثَمَنِهَا نَسِيئَةً، أَوْ بِدُونِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ، لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُوَكِّلِهِ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِثَمَنِ النَّسِيئَةِ دُونَ النَّقْدِ. وَإِنْ بَاعَهَا نَقْدًا بِمَا تُسَاوِي نَسِيئَةً، أَوْ عَيَّنَ لَهُ ثَمَنَهَا فَبَاعَهَا بِهِ نَقْدًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ عُرْفًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهَا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي النَّسِيئَةِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَرَضٌ، نَحْوُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِمَّا يُسْتَضَرُّ بِحِفْظِهِ فِي الْحَالِ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّلَفِ أَوْ الْمُتَغَلِّبِينَ، أَوْ يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ إلَى وَقْتِ الْحُلُولِ، فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحُلُولِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ فِي الْمَصْلَحَةِ، كَالْمَنْطُوقِ أَوْ أَكْثَرَ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ ثَابِتًا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ أَوْ الْمُمَاثَلَةِ، وَمَتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute