للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَرَدْت أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بَعْدَ آخِرِنَا مَوْتًا. انْبَنَى هَذَا عَلَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ، عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا، عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ. وَفِي سِرَايَتِهِ إلَى بَاقِيهِ، إنْ كَانَ ثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، رِوَايَتَانِ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إذَا مِتُّ قَبْلَ شَرِيكِي، فَنَصِيبِي لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مِتُّ بَعْدَهُ، فَنَصِيبِي حُرٌّ. فَقَدْ وَصَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْآخَرِ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ، وَصَارَ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ، إنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ. عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا.

[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ فِي الدَّيْنِ]

(٨٦٦٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَهُ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ إلَّا فِي دَيْنٍ يَغْلِبُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا، فَكَانَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ، لَمْ يَبِعْ الْعَبْدَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَرَى بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، رَأَيْت أَنْ أَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَاعَ الْمُدَبَّرَ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهُ، بَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلِمَ حَاجَتَهُ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَقَالَا: إنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، أَجَزْنَاهُ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، جَوَازَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا؛ فِي الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِهِ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، مُحْتَاجًا كَانَ إلَى ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَكَرِهَ بَيْعَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُشْتَرَى» . وَلِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عَنْ دَبْرٍ، فَاحْتَاجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>