وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ، انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا زَالَ بَعْضُهُ، زَالَ كُلُّهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، فَاخْتَصَّ تَصَرُّفُهُ بِمَحَلِّ الْإِذْنِ، كَالْوَكِيلِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَجَزَّأُ. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي بَيْعِ عَيْنٍ، وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ أُخْرَى، صَحَّ. وَكَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ، كَالْوَكِيلِ.
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ضَمَانٍ، أَوْ كَفَالَةٍ، فَفَعَلَ، صَحَّ. وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، أَوْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ، لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مَأْذُونًا لَهُ.
[الْفَصْلُ الرَّابِع فِي تَصَرُّفَاتِ الْعَبْد إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ]
(٣١٥٢) الْفَصْلُ الرَّابِعُ، فِي تَصَرُّفَاتِهِ، إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا زَادَ. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالْمَالِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنٍ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، لَمْ يُقْبَلْ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ سَيِّدَهُ بَاعَهُ، وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِجِنَايَتِهِ، اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ وَغَيْرُهُ. وَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ أَقْسَامًا أَرْبَعَةً؛ أَحَدُهَا، جِنَايَةٌ مُوجِبُهَا الْمَالُ، كَإِتْلَافِهِ، أَوْ جِنَايَةُ خَطَأٍ، أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، أَوْ جِنَايَةُ عَمْدٍ فِيمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، كَالْجَائِفَةِ، وَنَحْوِهَا، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْمَالِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي، جِنَايَةٌ مُوجِبُهَا حَدٌّ سِوَى السَّرِقَةِ، أَوْ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ لَهُ زُفَرُ، وَدَاوُد، وَالْمُزَنِيُّ، وَجَرِيرٌ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ، فَلَا يُقْبَلُ، كَالْإِقْرَارِ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ بِإِقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ، وَجَلَدَ عَبْدًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا نِصْفَ الْحَدِّ.
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ السَّيِّدِ فِيهِ عَلَى الْعَبْدِ، يُقْبَلُ فِيهِ إقْرَارُ الْعَبْدِ، كَالطَّلَاقِ. وَلِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ بِهِ أَخَصُّ، وَهُوَ بِأَلَمِهِ أَمَسُّ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ الزَّوْجَةُ.
وَخُرِّجَ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ جِنَايَةُ الْخَطَإِ؛ فَإِنَّ إقْرَارَ السَّيِّدِ بِهَا مَقْبُولٌ، وَلَا يَتَضَرَّرُ الْعَبْدُ بِهَا. الْقِسْمُ الثَّالِثُ، إقْرَارُهُ بِالسَّرِقَةِ، يُقْبَلُ فِي الْحَدِّ، فَيُقْطَعُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً، أَوْ بَاقِيَةً فِي يَدِ السَّيِّدِ، أَوْ فِي يَدِ الْعَبْدِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْطَعَ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ مَوْجُودَةٍ فِي يَدِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَحْكُومٌ بِهَا لِسَيِّدِهِ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ لِسَيِّدِهِ،